عبد الناصر البنا يكتب : ولا يزال النهر .. يجرى !!

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
نهر النيل هو أحد أنهار الجنة ، وهو سر الحياة ، بل واهب الحياة للمصريين ، على ضفاف النيل قامت أعظم حضارة عرفها التاريخ ، هى الحضارة المصرية القديمة أو ” الحضارة الفرعونية ” . الفراعنة قدسوا النيل وعبدوه وجعلوا له إله هو ” حابى ” إله النيل لأن النيل كان أساس وسر جودهم ، والمخطوطات المصرية القديمة والنصوص والكتابة على جدران المعابد حافلة بأساطير وقصص وحكايات عن نهر النيل خير مصر الوفير “رمز الحياة والخصب والنماء ” عند المصريين القدماء
وفى النصوص القديمة نجد ” أنا لم ألوث ماء النيل ، أنا لم أحجز ماء النيل ” وفى القدم ترنيمة دونها المصرى القديم فى نصوصه الأدبية تقول ” “فليحيا الإله الكامل ، الذي في الأمواه ، إنه غذاء مصر وطعامها ومؤونتها ، إنه يسمح لكل إمريء أن يحيا ، الوفرة على طريقه ، والغذاء على أصابعه ، وعندما يعود يفرح البشر ، كل البشر” .
وحتى يصل النيل إلى مصر لابد وأن يمر برحلة طويلة بتعدى طولها الـ 6695 كم ويمر خلالها على دول”حوض النيل ” الــ عشرة أو أحد عشرة ” مصر والسودان ” شمال وجنوب ” وإثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي بالإضافة إلى الكونغو الديمقراطية أو ( زائير) .
نهر النيل إللى قال عنه ” هيرودوت ” مصر هبة النيل وقالوا : النيل هبة الله للمصريين ، الحقيقه الـ 3 كلمات لخصوا حقائق تأكدت تاريخيًا ، بناءًا على العلاقة التى جمعت بين مصر والنيل جغرافيًا
وعلى مر التاريخ كان النيل مصدر وحى وإلهام للمصريين وغيرهم ” كتاب وشعراء وفنانين .. إلخ ” الأمير خالد الفيصل كتب له قصيدة عنوانها يا أسمر النيل يقول فيها ” يا أسمر النيل عـــاودني عليك الحنين ـ مـــــــــــن ثلاثين عام ما تغير هواك / ساري بي غــــــــرامك ما طوته السنين ـ كلما قلت أبـــــــا أنسى زاد عندي غلاك ” .
شاعر الكوخ محمود حسن إسماعيل كتب للنيل فصيدة عنوانها ” النهر الخالد ” غناها الفنان محمد عبدالوهاب يقول فيها : مسافرٌ زاده الخيالُ . والسحر والعطر والظلالُ . ظمآن والكأس فى يديه . والحب والفن والجمالُ . شابت على ارضه الليالي وضيعت عمرها الجبالُ. ولم يزل ينشدُ الديارَ ويسأل الليل والنهارَ . والناس فى حبه سكارى هاموا على شطه الرحيبِ . آهٍ على سرك الرهيبِ وموجك التائه الغريب ِ يانيل يا ساحر الغيوب !!
على مر التاريخ كان النيل مطمعا لكل غاصب أو محتل لمصر ، وكانت ” الحبشة ” هى طريق كل محتل أوغاصب يريد أن يمنع مياه النهر من الوصول إلى مصر . محاولات السيطرة على نهر النيل وتحويل مجرأه بدأت فى القرن السادس عشر مع البرتغال من أجل خنق مصر إقتصاديا ، وفى عام 1705 خاول لويس الرابع عشر ملك فرنسا مع ملك الحبشة تحويل مجرى النيل الأزرق ، وفشل بعد أن إعترضه المصريون فى “سنار” وإنتهت المعركة بقتل جنوده وهزيمة الأحباش .
وعلى مر التاريخ لم تكف ” أثيوبيا ” عن كونها مصدر تهديد لمصر . ففى عام 1856 فى عهد الخديوى سعيد كتب القنصل الفرنسى إلى حكومته أن الامبراطور الإثيوبى يهدد بالإغارة على السودان المصرى ويريد تحويل مجرى النيل حتى يجعله صوب البحر الأحمر . وفى ثلاثينيات القرن الماضى وفى أثناء الاحتلال الإيطالى للحبشة ، فكر الإيطاليون فى تحويل مياه النيل الأزرق إلى البحر الأحمر ومنعها من الوصول الى مصر ، لكنهم إصطدموا بالتضاريس التى جعلت عملية التنفيذ ليست بالسهولة التى توقعوها ، كما أن الإنجليز لم يمهلوهم وتدخلوا وأخرجوا إيطاليا من إثيوبيا عام 1941
مؤامرات حنق مصر بمنع تدفق مياه النيل كثيرة وليست مؤامرات الصهاينة وأعوانهم الأخيرة ببناء سدود على النيل إلا واحدة من تلك المؤامرات . بعد ثوره يوليو 1953 كان لمصر عبدالناصر علاقات قوية مع الدول الأفريقية وكان الزعيم جمال عبدالناصر داعما لحركات التحرر من الإستعمار ، وجمعت العلاقات القوية بيننه و ” هيلا سلاسي ” إمبراطور أثيوبيا . ورغم الوفاق نشبت الخلافات على خلفية قيام مصر ببناء السد العالى دون أن تستشير دول المنبع ، وهو ما عارضته إثيوبيا بشدة . وعندما عزمت إثيوبيا إنشاء سد عام 1953، أرسل لها عبدالناصر خطابًا جاء فيه ” من ناصر إلى هيلاسلاسى : القيادة العامة المصرية تحية عطرة .. النيل يعنى مصر وباسم مصر ورئيسها وجيشها العظيم نطالبكم بوقف أعمال بناء ــ سد تيس أباى ــ فورا وقد نمى إلى علمنا أنكم تشيدونه على نهر النيل دون إخطارنا .. إلخ . وقتها نصح الرئيس الأمريكي ” أيزنهاور ” سيلاسى بألا يستهين بتهديدات عبدالناصر ، فتراجع إمبراطور إثيوبيا ورضخ لرغبة مصر .
وفى عهد الرئيس السادات إشتعلت قضية مياه النيل بين مصر وإثيوبيا مره أخرى ، بعد أن أعلن الرئيس السادات عن مشروع لتحويل جزء من مياه النيل لرى 35 ألف فدان في سيناء ، وهو ما رفضته إثيوبيا باعتباره خطراً يهدد مصالحها المائية ، وإحتدم الخلاف إلى حد تهديد الرئيس الإثيوبى ”منجستو” بتحويل مجرى نهر النيل ،
ليرد السادات بأن مياه النيل ”خط أحمر” وأن المساس به هو مساس بالأمن القومى المصرى ، مما قد يدفع مصر إلى استخدام القوة المسلحة لضمان أمنها المائي . أما ذروة الخلاف عندما أعلن السادات عن فكرته لتوصيل مياه النيل إلى إسرائيل عام ١٩٧٩ ليخرج ” منجستو ” مذكرا بالإتفاقات التى تمنع مصر من أن تفعل ذلك، ومهددا بأن اثيوبيا ستبنى سلسلة من السدود والخزانات ، وقتها هدده السادات بالحرب ‘ ‘للحفاظ على الحقوق المكتسبة والتاريخية فى مياه النيل ” وقال : أفضل لى أروح أموت هناك ، ورد منجستو ملوحا بأنهم على إستعداد لأن يكون النهر ”نهرا من الدماء ”.
فى عام 1995 وأثناء زيارته للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا لحضور مؤتمر القمة الأفريقية ، تعرض الرئيس محمد حسنى مبارك لمحاولة إغتيال باءت بالفشل ، ونتيجة لـ محاولة الإغتيال تصاعدت اللهجة السياسية وتصاعدت حدة الخلافات بين مصر ودول المنبع بشأن إعادة النظر في إتفاقيات تقسيم مياه النهر.
وبعد ثورة الـ 25 يناير 2011 قام ” ميليس زيناوي ” رئيس وزراء أثيوبيا السابق بتعليق التصديق على ” إتفاقية عنتيبي ” وعقب زيارة ” مرسى ” الأولى إلى أديس أبابا ، أعلنت ”إثيوبيا” تدشينها المرحلة الأولى لتحويل مجرى ”النيل الأزرق” إيذانًا بالبدء في مشروع ”سد النهضة”، وهي خطوة مفاجئة إعتبرت تحدي لدولة المصب مصر . تبعها عدة مبادرات لـ حل الأزمة ومنها ” الحوار الوطني ” أو الجلسة السرية العلنية ”الفضيحة”، التى تسببت فى المزيد من التوتر في علاقات مصر بأثيوبيا وبدول حوض النيل .. إلخ
واليوم .. مازال النهر يجرى من دول المصب ومن جنادل أسوان إلى شواطىء المتوسط ، وسوف يجرى بلا إنقطاع إن شاء الله ، طالما هناك قيادة لديها إيمان راسخ بأن مياه النيل مسألة حياة أو موت وهى ” خط أحمر ” قيادة تعلم ” متى ـ وكيف ـ وأين ” تطأ قدمها .. ودائما وأبدا ” تحيا مصر ” .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.