إبراهيم نصر يكتب: .. وانتهى شهر الطعام

إن هى إلا ساعات ونودع شهر رمضان المعظم المبارك، الذى مضى سريعا، والمفترض أنه شهر العبادات والطاعات، لكنه أصبح للأسف الشديد لدى كثير من المسلمين – إلا من رحم ربى – شهرا للطعام وليس الإطعام، إذ البعض يمتنع عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ثم بعد الإفطار يسعى إلى تعويض الصيام بشكل مبالغ فيه من المغرب حتى أذان الفجر، فيتحول الشهر الفضيل من شهر للعبادة وصحة الروح والجسد معا إلى شهر للأكل، وأداء العبادات فى خمول وكسل، فقد أظهرت تقارير إحصائية أننا نستهلك في شهر رمضان ثلاث أضعاف كمية الطعام التى نستهلكها فى أى شهر آخر من شهور السنة، فهل هذا هو المقصود من صيام شهر رمضان؟!. وإذا كان المفترض أن يكون شهر رمضان فرصة لتخفيف الوزن، والحفاظ على الجسم، فالواقع يؤكد أن كثيرين تزيد أوزانهم في رمضان، وذلك بسبب المبالغة في الطعام والشراب، ومنح الأكل والشرب أولوية على كل شيئ حتى على العبادات!.
وهل من الإسلام فى شيئ أن يكثر رمي الأطعمة فى شهر الصيام، إذ فى نهاية كل يوم كانت تفيض كميات كبيرة من الأطعمة، ويرفض الكثيرون أكلها فى اليوم التالى بدعوى أنه صائم ويحتاج طعاما طازجا شهيا، وبذلك يتحول شهر العبادة والجوع والعطش، إلى شهر نهم وشراهة، وإسراف محرم لنحقق بذلك عكس المراد من فريضة الصيام، حيث فرضه الله علينا لتحقيق التقوى، قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة – 183).
واجتهد بعض علمائنا الأفاضل أن يتوصلوا لحكم أخرى من الصيام، وأرى أن كل الحكم التى توصلوا إليها تندرج تحت المفهوم الواسع للتقوى، ومن ذلك: ضرورة أن يحس الغني بما يعانيه الفقير من ألم الجوع والعطش فيرق قلبه على الفقراء فيجتزئ من قوته ويتصدق به على الفقراء، ويسارع بدفع زكاته إلى مستحقيها حتى يحدث تكافل مجتمعي بين الغني والفقير، وعندئذ تقل الأحقاد والضغائن والحسد بين الفقراء على الأغنياء، فتزيد بذلك معدلات السلام الاجتماعى، فكان لزاماً علينا أن نبحث عن المقصود من الصيام، وأول المقصود منه هو عملية التقشف والتخشن إحياءً لسنة الله في كونه ليستوي فى ذلك الفقير مع الغني، وكان الأجدر بنا أن نوجه طاقاتنا في جمع الطعام لتوزيعه على المستحقين من الفقراء المتعففين، الذين ينتظرون هذا الشهر الكريم ليتفضل عليهم أهل الفضل بما يسد رمقهم، ولو قام الأغنياء في الأمة بدفع زكاة أموالهم بما يرضي الله – سبحانه وتعالى – لما وجدت فقيرا في أمة الإسلام التي سبقت الأمم في التكافل والترابط.
ظاهرة أخرى خطيرة تحدث كل عام فى شهر رمضان أيضا، وهى: ظاهرة التدين المؤقت، فتجد بعض تاركى الصلاة طوال العام يلتزمون المساجد ويجتهدون فى أداء الصلوات، والفتاة أو السيدة المتبرجة تجدها تلتزم الحجاب فى شهر رمضان أو تغطى شعرها على ملابس ربما لا تليق، والموظف المرتشى يتوقف عن تلقى الرشاوى، وبعض المدخنين يتوقف عن التدخين، إلى آخر ذلك من مظاهر التدين المؤقت، إذ يعود الجميع بعد رمضان إلى ما كانوا عليه قبله، متناسن أن الله مطلع عليهم فى كل شهور السنة، وهو أجل وأكرم من أن نخشاه فى رمضان، ونستهين بنظره إلينا بقية شهور العام، ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم.
نسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام، وأن يهدينا سبل السلام، وأن يوفقنا لحسن عبادته طوال العام، وأن يحقق رجاءنا فى رفع وباء “كورونا” عن بلاد المسلمين، وسائر بلاد العالمين، اللهم آمين.
  1. Ibrahim.nssr@gmail.com
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.