إبراهيم نصر يكتب : تحروها فيما بقى

كالعادة: مضت سريعا أيام وليالى شهر رمضان المعظم، ولم يبق من أيامه المعدودات إلا أقل من ثلثه الأخير، وفى ليالى تلك الأيام المباركات يتحرى المسلمون ليلة القدر التى أخفاها الله عز وجل عن العباد، كما أخفى ساعة الإجابة يوم الجمعة وغيرها، لنكثر من العبادة، ونجتهد فى العمل، فيظهر من كان جاداً فى طلبها حريصاً عليها، ومن كان عاجزاً مفرطاً، فإن من حرص على شئ جد فى طلبه، وهان عليه ما يلقاه من تعب فى سبيل الوصول إليه.
وليلة القدر في السبع الأواخر من رمضان أرجى، لما جاء فى حديث ابن عمر رضى الله عنه أن رجالاً من أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم – أروا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر” رواه البخارى.
وقد تكون أحياناً ليلة إحدى وعشرين، كما جاء فى حديث لأبى سعيد، وقد تكون ليلة ثلاث وعشرين كما جاء فى رواية عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه.
ورجّح بعض العلماء أنها تتنقل وليست في ليلة معينة كل عام، قال النووى رحمه الله: وهذا هو الظاهر المختار لتعارض الأحاديث الصحيحة فى ذلك، ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها.
ولكن هل من الممكن أن يرفع العلم بها بحيث يمر رمضان دون التعرف عليها؟.
يقول العلماء: لا يلزم أن يعلم من أدرك ليلة القدر وقامها أنه أصابها، وإنما العبرة بالاجتهاد والإخلاص، سواء علم بها أم لم يعلم. وروى البخارى فى صحيحه عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: “خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها فى التاسعة والسابعة والخامسة”.
وفى شرح الحديث: قوله “فتلاحى فلان وفلان فرفعت” فيه استئناس لما يقال: إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع، كما جاء في الحديث: “إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه” وقوله: “فرفعت” أى رفع علم تعيينها لكم، لا أنها رفعت بالكلية من الوجود.
وفى تقديرى أن ليلة القدر قد رفع العلم بها منذ أعوام عديدة، لكثرة الشحناء، بل كثرة القتل بين المسلمين، ومن تحراها بعلاماتها الواردة فى الأحاديث الصحيحة يعلم ذلك جيداً منذ بضع سنين.
وأول تلك العلامات: ثبت فى صحيح مسلم من حديث أبىّ بن كعب رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شُعاع لها.
العلامة الثانية: ثبت من حديث ابن عباس عند ابن خزيمة، ورواه الطيالسى في مسنده، وسنده صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “ليلة القدر ليلة طلقة، لا حارة ولا باردة، تُصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة”.
العلامة الثالثة: روى الطبرانى بسند حسن من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليلة القدر ليلة بلجة ” أى مضيئة، لا حارة ولا باردة، لا يرمى فيها بنجم، أي لا ترسل فيها الشهب.
هذه ثلاثة أحاديث صحيحة في بيان العلامات الدالة على ليلة القدر فتحروها لعلها تصيبكم.
اللهم كما نصرتنا على أعدائنا قديما وحديثاً فى رمضان، انصرنا على أعداء الداخل من الخونة والإرهابيين، وعلى أعداء الخارج المتآمرين على مصر والمصريين.
اللهم من أرادنا بسوء اجعل كيده فى نحره واقصم ظهره وافضحه فى الدنيا والآخرة يا رب العالمين.
وأخيراً أسأل الله أن يبلغنا ليلة القدر، وأن يوفقنا للدعاء فيها بما يحب ويرضى، وأن يعيننا دائماً على ذكره وشكره وحسن عبادته.
Ibrahim.nssr@gmail.com
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.