عبد الناصر البنا يكتب : سوق الدراما .. جبر  !!

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
تداول رواد التواصل الإجتماعى طرفة تقول ” أنا من البلد الذى بتنفق 3 مليار جنيه على إنتاج الدراما و2 مليار على الإعلانات وفى الفاصل تطلب منك التبرع بجنيه ” أمر مخجل  وتناقض غريب ، ولأ أدرى لمصلحة من هذا السفه الذى يتنافى وجوهر العبادة فى رمضان ، فى بلد يحاول أن ينفض عنه غبار الماضى من أجل أن يلحق بركب التقدم  .
فى ماراثون دراما رمضان هذا العام أكثر من 27 عملا دراميا يجرى عرضها ، المتابع لـ ” غالبيتها ” سوف يتأكد أنها لم تحمل أية رسالة ، أو فنا ، فهى لا تحض على فضيلة ، ولا تنهى عن رذيلة ، وإنما تلهث وراء الإثارة
 وتخترق القيم وتنتهك الأخلاق بالألفاظ السوقية والخادشة للحياء العام مثل ” بت ـ مره ـ صاحبى ـ فشخ .. وغيرها ” من الألفاظ التى يعف اللسان عن ذكرها ، بل ولم نكن نسمعها فى الماضى ونحن نشاهد مسلسلات رمضان ، ناهيك عن العرى والجنس والمخدرات .. إلخ .
والسؤال الذى يطرح نفسه : هل نحن فى أزمة ؟
والإجابة بالقطع  نعم نحن فى أزمة ، وهى أزمة لها إنعكاسها على المجتمع!
ومن السبب فى هذة الأزمة ، هل هى أزمة مؤلف ومخرج أم أنها أزمة غياب الدولة عن دعم الإنتاج الفني للأعمال الدرامية والتاريخية ، أم ماذا  ؟
دعونا نتفق منذ البداية أننا نفتقد الآن لـ جيل الكتاب والمبدعين الذين كانوا يحملون أمانة الكلمة ومسئوليتها أمثال ” محفوظ عبدالرحمن ـ أسامه انور عكاشة ـ محمد صفاء عامر ـ وحيد حامد .. وغيرهم من المبدعين فى
” زمن الفن الجميل ” عندما كانت الدراما تتناول قضايا حقيقية يتم معالجتها بدراسة وحكمة ، وللأسف وحتى الموجود منهم لم يفكر أحد فى الإستعانة به ،  وظهرت أجيال جديدة بدأت فى صنع الدراما من ” ورش الكتابة ” أجيال لديها مفهومًا خاطئًا عن الحرية والإبداع فأخذت تكتب وتتحرر من أي قيد إجتماعي يخص الأخلاق والقيم ، بل وغير مبالية أن ما تصنعه من أعمال درامية قد يكون له  تأثير ضار على المجتمع كله .
قد يرى البعض أن ذلك هو الواقع الذى نعيشه ، ومعلوم أن الدراما هى فن تجسيد الواقع فلماذا اللوم عليهم ؟
الحقيقة أنه وإن كانت الدراما هى مرآة تعكس الواقع الذى نعيش فيه إلا أنها ليست مبررا للكاتب أن يعرض هذا الواقع كما هو ، أو أن يسرف فى تجسيد العنف الواقع فى المجتمع ، أو أن يخرج عن الآداب العامة أثناء التعبير عن قضية ما حتى لاتصبح الدراما أشد خطرا على المجتمع من المخدرات ، أو أن يصبح الفن حربا ناعمة لطمث الهوية .
أما الحقيقة الثانية أنه وإن كانت الدراما تنقل الواقع  فلو أن هذه المليارات قد أنفقت على الواقع نفسه لغيرته !
أما غياب دور الدولة عن دعم الأنتاج الفنى وخاصه بعد إلغاء قطاع الإنتاج فى إتحاد الإذاعة والتليفزيون فهو الكارثه بعينها أولا : لأنها أدت إلى إحتكار شركات بعينها لسوق الدراما فى مصر والنتيجة هى أن الدراما قد خرجت عن سياقها ومضمونها بالرغم من الملايين التى تنفق فيها إلا أن المحصلة للأسف (صفر) .
ولعلنا نتذكر فترة الثمانينات والتسعينات وحتى الألفية الثانية والعالم العربى كله من المحيط إلى الخليج ينتظر الدراما الرمضانية المصرية الهادفة ومنها المسلسلات التاريخية على مختلف مستويانها ” الدينية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والثقافية ، والعلمية ” مثل محمد رسول الله فى أجزاءه الخمسة ، وموسى بن نصير ، وإبن تيمية إلى جانب عمل وطنى مثل ” رأفت الهجان ـ أو ودموع فى عيون وقحة .. إلخ  ” وفوازير نيللى أو شريهان والإبهار الذى يصنعه الراحل فهمى عبدالحميد رغم قلة الإمكانيات وقتها ، وبالقطع الأعمال الكوميدية والدراما الإجتماعية مثل ” ليالى الحلميه وهوانم جاردن سيتى وأوراق مصريه .. وغيرها من الأعمال التى كان يطلق عليها القوة الناعمة المصرية .
أما مانراه الآن من أعمال درامية ، أعتقد أننا لو أنفقنا المليارات ما إستطعنا أن نشوه صورة مصر مثل ماشوهتها الدراما الرمضانيه ، وعلى الرغم من ذلك لاننكر أن هناك أعمالا وطنية جيدة نالت إستحسان المشاهد مثل ” هجمه مرتده ــ الإختيار (1) و (2) .. إلخ  ، وكلها أعمال جيدة  ، وذات مضمون لأنها تبرز تضحيات رجال ” الجيش والشرطة ” وتظهر خونة الوطن ومايحاك ضده ، وتوضح حقيقة الأحداث ، وأعتقد أنها ذات مضمون ورسالة .
أما ما يخص الإعلانات ، فهناك دولا مثل ” ألمانيا ” تحدد مده لـ عرض الإعلانات لايتجاوز 20 دقيقة فى اليوم ، أما نحن فلامانع من إذاعه 20 دقيقه إعلانات عقب كل 5 دقائق دراما  ، ولاعجب فى ذلك إذا كان ” الإعلان ” هو المتحكم فى سوق الدراما بل وفى “محتوى” العمل نفسه
 والحقيقة أنك تصبح فى حيرة من أمرك مابين إختيارك فيلا فى القطامية أو الحجز فى ماوتن فيو  قبل نفاذ عرض الـ 3 مليون ، أو تتبرع بما تملك للمستشفيات  أما شركات المحمول فهى تطبق مثل عامى شائع ” إللى معاه قرش محيره يجيب حمام ويطيره ” شركات المحمول ممكن تكون صرفت ملايين فى رمضان فى الدعاية والإعلانات وطبعا كله يخصم من الوعاء الضريبى
 لكن أليس من الأفضل أن توجه تلك الملايين إلى عمل الخير كما يرى البعض ببناء مستشفيات مثلا  وتسمى بأسماء هذه الشركات مثل ” مستشفى فودافون للأورام ــ مستشفى أورانج للحوادث ــ  مركز بيبسى كولا لزراعه القوقعة للاطفال الصم ــ مستشفى إتصالات لأبحاث أمراض الكبد .. إلخ
وليس هناك مايمنع من أن يضعوا إسمهم على المستشفى وعلى التذاكر وعلى بالطو الدكاترة وحتى على الروشتة وعلبة الدواء ، أو حتى أضعف الإيمان أنهم ” يحسنوا ” الخدمه التى لايجرؤ أن يحاسبهم عليها أحد ، والله إنه لـ شىء مخجل . والمخجل أكثر أن  تجد دفاعا عن الباطل فى عمل تاريخى مقتبسا عن رواية “كفاح طيبة ” للأديب المصري نجيب محفوظ يحوى العديد من المغالطات التاريخية ، أو تجد فنانا يطلق على نفسه “نمبر ـ وان “
رحم الله نجوما كبار رحلوا عن عالمنا أمثال ” نور الشريف ومحمود يس وأحمد زكى وعبدالله غيث .. وغيرهم ” أتقنوا أدوارهم حتى أعتقدنا أنهم  لايمثلوا من شدة تقمصهم للدور ، ورحم الله زمن الفن الجميل ، وخالص العزاء للمشاهد المصرى والعربى .
                                                                                                                                                                                                             Elnaser66@yahoo.com
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.