هاني سالم يكتب : سد النكبة والغطرسة الإثيوبية التي لا تعرف غير الردع

لا أحد يستطيع أن ينكر أن الدوله المصريه تتعرض لمؤامره خسيسه تستهدف مستقبلها وإستقرارها وعرقلة عجلة التنمية الشاملة التي نشاهدها الآن، والعجيب والغريب أنها ليست مؤامره واحده، بل عدة مؤامرات دنيئه هدفها محاصرة وتدمير مصر، فعلي سبيل المثال بماذا نفسر الإصرار والتعنت الإثيوبي على العداء لمصر في موضوع «سد النهضة »؟ ومن يقف وراء هذه المؤامرة؟ ما هي الأيادي الخفيه التي تحركها؟ من الذي يشعل نار العداء؟ ومن هو المستفيد؟ علي العموم أقول لكل هؤلاء إن مصر « لم ولن تنكسر أو تقبل بلي ذراعها » مهما كان الأمر مكلف، ومهما كانت التضحيات، وستظل شامخه عظيمه إلي يوم الدين لطالما لديها رجل دوله أسد جسور لا يخشى إلا الحق سبحانه وتعالى، ولديها جيش قوي متين إستطاع أن يفرض التوازن الإستراتيجي في المنطقه، وأحد أقوي جيوش العالم، وقادر على حماية مقدرات الوطن، والدفاع عن أمنه القومي.
ويظل السؤال الغامض الذي يثير الشكوك والريبه، لماذا هذا الإصرار الإثيوبي على العداء لمصر في ملف سد النهضة؟ لماذا الإصرار علي تعطيش المصريين ومحاولة منع حقها في مياه نهر النيل؟ لماذا التعنت الشديد ولماذا هذه الغطرسه الكذابه؟ رغم أوضاعها الداخليه المضطربة والهشه ومشاكلها القبلية.
يحكي التاريخ أن إثيوبيا كثيراً ما هددت مصر بسلاح المياه في القرن السابع عشر هدد حاكم إثيوبيا مصر بسلاح المياه، ففي عام 1680 هدد الملك الحبشي ” نكلاها يمانوت ” الحاكم المصري عندما قال: « إن النيل سيكون كافياً لمعاقبتك، فحيث أن الله قد وضع في أيدينا ينبوعه وبحيرته ونماءه ومن ثم يمكننا أن نستخدمه في إيذائكم » هذا التهديد والتعنت الإثيوبي كان قديماً وللأسف الشديد ما زال مستمراً حتي هذه اللحظه، منذ بداية المفاوضات وإنسحاب وزير الري المصري عام 2014 من الإجتماع الثلاثي بالخرطوم، حينما رفض وزير الري الإثيوبي جميع إقتراحات الجانب المصري بكل فُجر، وهكذا استمرت طيلة السنوات الماضيه في المراوغة والمضي قدماً في سياسة الأساليب الملتويه، ورفض جميع الإقتراحات والحلول والتنصل من أي التزام، وهكذا عادت إثيوبيا من جديد إلي تعنتها وغطرستها الكذوبه تجاه مصر والسودان في إصرار لا يتوقف عنه لإفشال كل الجهود المصريه والسودانيه معها، للوصول إلى حل ” سياسي ” عادل ومنصف وملزم لملء وتشغيل السد.
المشكله في إثيوبيا أنها تعتقد خطأ أن أية إتفاقيات تفرضها مصر والسودان، قد تحد من سيادتها علي مياه النيل، وتعطل خططها التنمويه، ما يؤكد بشكل أو بآخر بحدوث أزمة بين إثيوبيا ومصر والسودان، خاصة أن هناك لدي المسؤولين المصريين والسودانيين عدم ثقه في النوايا الإثيوبية التي تسعي للهيمنه على النيل الأزرق، وهو الأمر الذى رفضه وحذر منه الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال كلمته أثناء زيارته التاريخيه للسودان الأسبوع الماضي، خاصة بعد إعلان إثيوبيا المتغطرسه أنها لم تعد تلتزم بالإتفاقيات التي وقعت قديماً، وأن لها الحق في إستغلال مياه النيل التي تجري على أراضيها، وتنفيذ أي خطط ومشروعات تعتبر ضروريه من أجل إقتصادها، ولمواجهة احتياجاتها من المياه والطاقه والزراعه نتيجة للزيادة السكانيه بها، مؤكده بكل غرور وعنجهيه أن لها القدره علي التحكم في منابع النيل التي تصل إلى مصر والسودان، حتي يرجع نفوذها علي النيل في أنها تسيطر على أحد عشر نهراً تنبع من التلال الإثيوبية. حتي وصلنا اليوم إلي البجاحه والفُجر في التصريحات المستفزة من قبل تلك الدوله المتغطرسه التي ظنت في مخيلها أنها قوه إقليمية لا رادع لها، واستمرارها في رفض الوساطه الدوليه ( الرباعي الدولي ) في مباحثات سد النكبه، وإعلانها الإصرار على إستمرار المفاوضات الثلاثيه بدون وسطاء، وبالرغم من فشلها خلال السنوات العشر الماضية، ومنهم سنه تحت رعاية الإتحاد الإفريقي الذي فشل في حل الأزمة وأثبت أنه غير مؤهل لحلها وليس علي قدر المسئولية، ومما يزيد الطين بلة إصرار إثيوبيا علي تعلية الجزء الأوسط من السد، وتخزين المرحله الثانيه من السد بالرغم من عدم التوصل إلى إتفاق قانوني ملزم بين الأطراف الثلاثه حول قواعد الملء والتشغيل، وبالرغم من عدم تركيب الجانب الإثيوبي للتوربينات لتوليد كهرباء، ولا يوجد أي عائد فني أو إقتصادي من هذا الملء…
مؤكد أنه هناك أيادي خفيه تعبث بإثيوبيا، وتعبث لزيادة الإصرار على التعنت الإثيوبي تجاه مصر، ومصر تعلم جيداً وجميعنا يعلم من يقف وراء إثيوبيا ويدعمها وتتكأ عليه حتي ظنت أنها قوه بحق وحقيق وهي في الواقع أضعف من بيت العنكبوت. وربما لم يعنَ بشؤون نهر النيل في العصر الحديث إلي جانب المصريين، إلا الإنجليز والإسرائيليون، أي كل من أراد السيطره عليها، أو إيقاع الأضرار بها. وقد إرتبط الإهتمام البريطاني بمصر وشؤون النيل، بزراعة القطن، التي إعتمدت عليها مصانع النسيج الإنجليزية خلال الثوره الصناعيه، من القرن التاسع عشر إلي منتصف القرن العشرين، أما إسرائيل فقد إنصب إهتمامها علي كل ما يمكن إضعاف مصر من خلال نهر النيل، وقد وجدت في إثيوبيا خير نصير وأقوي حليف، وقد شجعت إسرائيل في إقناع النخبه الإثيوبية الحاكمه بقواسم مشتركه معها، من ذلك أن كلاً منهما مُحاط بجيران من العرب والمسلمين الذين يبادلونهم العداء. ولذلك كانت إثيوبيا لمده طويله منذ الخمسينيات في القرن العشرين، هي الدوله الإفريقية الوحيده، إلي جانب النظام العنصري في جنوب إفريقيا، اللذان إعترفا بإسرائيل، كما تبادلت إسرائيل مع ذلك النظام العنصري المعلومات النووية منذ ستينيات القرن الماضي. ويقال إن إسرائيل أجرت تجربة سلاحها النووي في المحيط الهندي قرب سواحل جنوب إفريقيا. وعودة لإثيوبيا وإسرائيل، فلم يكن مستغرباً أن تتبني إثيوبيا المسعى الإسرائيلي للحصول على مقعد مراقب في منظمة الوحده الإفريقية، وهو ما كان سيعطي إسرائيل مزيداً من الفرص لإختراق بقية الدول الإفريقية الخمسين، لولا أن مصر المحروسة هي التي أحبطت ذلك المسعي الإسرائيلي الخبيث.
«« إثيوبيا نقطة إرتكاز إسرائيليه »» ومنذ عقود طويله، فإثيوبيا إستطاعت بفضل التكنولوجيا أن تسخر مياه أنهارها في توليد كميات هائله من القوي الكهربائية، وكل ما إحتاجت إليه هي الأموال والخبره « وإسرائيل » تقوم بذلك وتحت إسرائيل نضع مليون خط، فتقوم بذلك إسرائيل مقابل أن تأخذ إثيوبيا بمشورتها في الزمان والمكان والكيفيه التي تنشئ بها « السدود على منابع النيل » وهو ما يعني سراً ممارسة الضغط على مصر خاصة وعلي السودان عامة، والأمر أصبح واضح ومكشوف لأن اللعب أصبح علي المكشوف. والمدهش والغريب والعجيب والمثير للإنتباه والشك في نفس الوقت، أن أمريكا أصبحت مهتمه فجأه بتطوير ” النيل الأزرق ” من بين بعض المشروعات في إثيوبيا منذ عام 1957 وذلك تزامناً مع فترة التوتر بين أمريكا ومصر بعد ثورة 1952 وقد وافق المكتب الأميركي للإستصلاح على إجراء دراسه مفصله لصالح الحكومه الإثيوبية، وأوصي بضرورة إنشاء « السته والعشرين سداً وخزاناً » بحجة إحتياجات الري وتوفير المياه وتوليد الكهرباء، ولكن الأمر له أبعاد وزوايا أخري…
لم يكن فشل المفاوضات التي وصلنا إليها اليوم بالجديد أو بالمفاجئ، ففشل مفاوضات سد ” النكبه ” هي النهايه التي تنبأ بها جميع الخبراء والمعنيين في هذا المجال، وهذا ما يتضح بالرفض الإثيوبي التام لكل مطالب مصر والسودان في قضايا أمنهم المائي، وهو ما يلفت إليه لإنتباه العالم القدير دكتور ( مغاوري شحاته دياب ) عندما أكد أن التنبؤ بهذا الفشل هو تراكم مواقف متعدده سابقه منذ بداية القرن الماضي بالنسبه لإثيوبيا، ومنذ بداية الستينيات بالنسبه لدول المنبع الست الأخري، ويكفي أن نعرف أن إثيوبيا كانت دائمه الرفض للمشاركه في كل ما يتعلق بمفاوضات دول حوض النيل، وإتخذت موقف المراقب في أغلب الأحيان، كما أنها رفضت التوقيع على الإتفاق الإطاري للمجاري المائيه العابره للحدود، والذي تم توقيعه عام 1997م ضمن قرارات الجمعيه العامة للأمم المتحدة، وحتي عندما وقع الرئيس الراحل ” مبارك ” إتفاقاً مع رئيس الوزراء الإثيوبي السابق « مليس زيناوي » عام 1993م يتضمن التعاون فيما يتعلق بمياه نهر النيل « جمدت إثيوبيا » هذا الإتفاق من جانبها بكل فُجر، وهو ما يؤكد التعنت الإثيوبي تجاه مصر، ويؤكد نواياها السيئه، ويؤكد أيضاً سياسة الأساليب الملتويه وإزدواجية المعايير والكيل بمكيالين لدي هذا البلد المُتغطرس..
إيقاع سريع وخطير هو الوصف الدقيق للتطورات الأخيرة في ملف سد ” النكبه ” ولا شك أن تضامن مصر والسودان هو مفتاح السر لنجاح وفعالية أي بديل سواء كان سلمي أو غير سلمي، ولا شك أن إستدعاء البلدين الشقيقين لرباعيه دوليه للإشراف على المفاوضات برئاسة الإتحاد الإفريقي هي خطوة هامه لوضع النقاط علي الحروف، ووضع الأمور في نصابها، ووضع سقفاً زمنياً للمفاوضات لا يتجاوز بداية مايو المقبل، أياً ما كانت الضغوط والمبررات، وهي مطالب محدده بإمتياز لا تسمح بالتلاعب الذي عانينا منه طيلة سنوات، قبل اللجوء إلى أساليب أخري ووسائل أخري قد تكون قاسيه. فكل المؤشرات والدلائل تؤكد أن إثيوبيا لا تقتنع بالحلول السلميه القانونيه العادله لأزمة ” سد النكبه ” مع مصر والسودان، ولو كانت لديها النيه والرغبه في الحلول لتوصلنا إلي إتفاق ملزم وحل قانوني منذ سنوات، فيبدو أن إثيوبيا لديها عقدة إسمها ” مصر ” منذ سنين طويله، ولن ولم تقتنع إثيوبيا بتغيير موقفها المتعجرف والمتغطرس لأنها لم تفعل غير المراوغه والتهرب ولا تعرف غير سياسة الأساليب الملتويه، ظناً منها أنها ستجبرنا علي القبول بالأمر الواقع، وهذا أمر مرفوض تماماً من قبل الدوله المصريه، وقد أعلنها صراحة وبكل وضوح الرئيس السيسي بأننا لم نقبل بسياسة الأمر الواقع مهما كانت التضحيات. فالعبث بالأمن المائي لمصر أمر خطير وهو أهم ملفات الأمن القومي المصري، وإذا فكرت إثيوبيا ونفذت ما تتفوه به بالملء الثاني لخزان سد النهضة دون الوصول إلي ما يحقق تطلعات مصر والسودان، فهذا سيعد إعلاناً للحرب ضد مصر والسودان، وعلي إثيوبيا أن تعلم جيداً أن للصبر حدود، وأن تعريض الأمن القومي لكلاً من مصر والسودان يعد أحد أعمال الحرب، والقيادة السياسية المصريه أظهرت للعالم كله إصرار إثيوبيا علي غطرستها وتجاهل القانون الدولي، وقد أعلنها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي من السودان طلب تدخل المجتمع الدولي لترتيب إجتماع دولي لوضع حد للبلطجه والتعنت الإثيوبي، وأن يتحملوا مسؤولياتهم أمام المجتمع الدولي..
في إعتقادي بعد تصريحات الأمس للمسؤول الأثيوبي بأن إثيوبيا مستعده للتفاوض تحت مظلة الإتحاد الإفريقي فقط، دون مشاركة أي أطراف دوليه، وإعلانها أنها ستقوم بالملء دون الإلتفات إلي أي نداءات وأي مطالب، ما هو إلا نوع من أنواع الجنون والغطرسه والبلطجة، وأنها تضرب بكل الأعراف والمواثيق الدولية عرض الحائط وتقوم بفرد عضلاتها رغم مشاكلها وكوارثها وجرائمها الداخليه. وبالمختصر كده إثيوبيا عيارها فلت وتخطت كل حدود العقل في كل تصرفاتها، وتتعامل مع مصر والسودان بنوع من أنواع الجنون وكأنها قوة عظمي في إفريقيا لا رادع لها ولا تعطي ” إعتبار لأحد ” ولم تغير من أسلوبها وسلوكها وسياستها ولا حتي موقفها قيد أنملة، ما لم تستفيق من الوهم الذي تعيشه، وأن تتلقي صفعه حتي تستيقظ من غطرستها الكذابه وعنجهيتها الفارغه، وهذا ليس بالسهل ولا بالهين، فهناك أمور تتم بحساب وبمقادير معلومه، والقرار الصحيح والصائب لا يتخذه إلا من يملك الحسابات الدقيقه وصاحب المعلومات..
وأخيراً نأمل أن نصل إلي حل وإتفاق ملزم وقانوني وعادل يحقق تطلعات الدول الثلاث، بمشاركة الأطراف الدوليه، وأن تتراجع إثيوبيا عن عنجهيتها، لكن يبدو أننا متجهون إلي المرحله الأصعب والخيار الأخطر الذي لا نتمناه، ولكن لابد منه، فكل الحقائق الميدانيه والمؤشرات تشير إلى هذا بكل أسف، وعلينا جميعاً أن نثق في قيادتنا السياسيه الرشيدة والحكيمه، والإلتفاف حولها والإصطفاف خلف جيشنا الوطني العظيم، فهما أهم الصفات التي ميزت المصريين، عبر آلاف السنين، التي ستتواصل عندما يدعو المنادي.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.