محمد نبيل محمد يكتب : المصري الجديد .. الذات النَهِمة والذات المُكتفية

اتفقنا ان ارادة المسئولية هى احدى سبل اثبات الوجود الحقيقى للذات , وفى المقابل تكن الذات المتواكلة هى التى تعيش وجودا منتميا لغيرها , أو بتعبير ادق : هى الذات التى تدور فى افلاك الآخرين وليس لها مجال وجود , وهنا تتكشف صفة تالية لتلك الذات الساكنة الهشة الطافية والمفعول بها , وهى ان تلك الذات لا تطمح لمزيد من التقدم بداية , ولا تولى اهتماما بالارتقاء والتطور , ذلك لان تلك الذات ليست فقط تعجز عن الفعل , بل هى ايضا لا تملك ارادة الحياة , فليس لديها رغبة فى النهم من نعيم الحياة , والتمتع بمقدراتها وتطويعها لصالح القادم من ازمانها , بل هى تكتفى بما يُلقى اليها من هبات الآخرين , وعلى المستوى المجتمعى هى محصلة المجتمع الذى يقبل باختيار وحيد , وهو ان يكون مقبرة لنفايات المجتمعات الآخرى , بالتالى على هذا الكيان الصفرى ان يقبل بتلقف اعلام مضلل ودراما مشوهة ومعتقدات باطلة ومنتجات منتهية الصلاحية وسلوكيات شاذة وانفعالات مضطربة و .. , والى غير ذلك من التجارب السلبية للآخرين , وبتصغير منظار الرؤية على المستوى الفردى نجد هذه الذات التى تظهر فى الشطر الاول من شعر شوقى :” شباب قنع لا خير فيهم .. وبورك فى الشباب الطامحين ” اما الشطر الثانى وهم اصحاب الذات الدؤبة فى سعيها تجاه التطور والتغير والتى ترغب دوما فى نيل المزيد من النجاحات العلمية والمادية والتجارية والدينية والعاطفية وغيرهم الكثير , وهى التى لا تكاد تنهى شوطا فى مسارات الوجود الا وتبدأ غيره , وهكذا تتوالى النجاحات , وهى ذات نهمة للتقدم , وتمتلك طاقات شغوفة بالمضى قدما , ولانها ذاتا تستشعر مسئولياتها المتعددة والمتنوعة تجاه الآخرين , ولانها ذات تملك ارادة الفعل وتتحرك صوب الاتجاهات الآيجابية كالارتقاء الى اعلى والى الامام , ولا تؤمن بخطوات العودة او الثبات فى مربعات الاصفار , بل هى ذات ترغب فى استمرار بتقديم ابتكارات وابداعات فى مجالات تخصصها , وتلك العطايا من شأنها ان تؤكد على الوجود الفاعل لهذه الذات , وبتحقيق بعض القياسات الحيوية للذات النهمة للتطور والارتقاء نجدها تملك عقلا رحبا يتسع لارجاء الوجود يقبل الآخر ويقتنع بالرأى الشافعى :” رأينا صواب يحتمل الخطأ ورايكم خطأ يحتمل الصواب ” لذا فعقلية هذه الذات تتسم بالمرونة القابلة والحاضنة لمختلف التنوعات اشبه بالكوزموبوليتان , وربما يتطابق معها ما قاله الباحث الكندى سيمسون نايوفتس فى كتابة ” مصر أصل الشجرة ” :” ان المصريين قبلوا ديانات الآخرين , وامنوا بحقهم فى ممارسة معتقداتهم” , وايضا هذه الذات تجاور روحا فياضة بالعطاء , باسمة مقبلة على الحياة , وتسير جنبا الى جنب بمحاذاة نفس هادئة واثقة متصالحة ومحبة , وجميعهم فى معية ضمير يقظ يعلم ما عليه كما يطلب ما له , يقتبس لسان حالهم من اليا ابو ماضى:” كن جميلا ترى الوجود جميلا ” , واما الذات التى تشبه جثتها فهى كما بحيرة كارل ماركس التى تحدث عن ان خمولها وركودها هو سبب موت وفناء كل الكائنات بها , فتلك الذات مقبرة لعقل متبلد , وضمير ميت , وروحا مفارقة , ونفسا عابسة مكفهرة , ولا تحمل للآخرين من العطاء سوى الكراهية والحقد , ولا تحى سوى الحياة العدمية , ولاتتكبد حتى عناء تمنى التغير! وتلك الذات بدورها توصف كما نعتها اليا ابو ماضى “ان نفسا لم يشرق الحب فيها .. هى نفس لم تدر ما معناها ” , وبهذا تفتقد تلك الذات حيوية الوجود وتقبع قانعة فى اتون الخمول , ولا نتصور مجتمعا يعد محصلة مجموع الذات الفاعلة فى الوجود والنهمة للحياة الا ان يكون هو مجتمع متطور حضاريا وفى حالات ديمومة من الارتقاء الانسانى , ونقيضه كما نقيض الوجود هو العدم , ويكون ذاك المجتمع الذى على شفى جرف هار وهو محصلة مجموع الذات الراكدة المفعول بها المكتفية بحالها الرث , وهو اشبه بقبر كبير يلملم اشباه البشر , او كبحيرة ماركس المفتقدة للجدل والتغيير والحاضنة للاموات من الكائنات الذين لا حاضر لهم ولا مستقبل ينتظرهم!.
وسيأتى الحديث عن الذات المثمرة والذات الشحيحة, ونستكمل فى القادم ان شاء الله لنبنى أركانا جديدة فى المصرى الجديد بعد اكتشافه لذاته وادراكه لامكاناته فى التغيير, وعلى الانسان ان يعيد تقيم ذاته ليرسم بيده ملامحه ليست الشكلية قط وانما الباطنة أيضا, ويعود كما كان اجداده الأصل واصحاب الفعل وليس الشبه والمفعول به!.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.