عبد الناصر البنا يكتب : عصر الدعاة .. عندما يصبح الدين مهنة

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
من فضل الله علينا أن الدين يسر لاعسر وأن الله تعالى قال مخاطبا نبيه ورسوله الكريم { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } ، وأن الرسول (ص) يقول ” يسروا ولاتعسروا ” والله تعالى يقول : ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )  صدق الله العظيم
والحقيقه أن الحلال بين وأن الحرام بين ، وبينهما مشتبهات ، فإذا كان ذلك كذلك فهنا يثور السؤال : ما الحاجة التى دعت إلى هؤلاء الذين يدعون أنهم ” مشايخ ” وقد ضيقوا على الناس أمور دينهم ودنياهم بعد أن إتخذوا من الدين مهنة يمتهنونها ويترزقون منها ، وبعد أن ضجت وسائل التواصل الإجتماعى بأخبارهم وزيجاتهم التى بعدت كل البعد عن وقار العلماء وتواضعهم ؟
فى الواقع الظاهرة لها تاريخ أعتقد أنه يبدأ منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضى مع النزوح الجماعى إلى دول النفط حيث الفكر الوهابى العفن الذى سرعان ما إنتشر مع عودة هؤلاء بثيابهم القصيرة ولحاهم التي تكسي كروشهم وقد أصبح كل ما أحله الله حراما ، وثار الخلاف حول الأكل باليد اليمين أو الشمال ودخول الحمام بأى رجل .. والنظر إلى المرأه كونها عورة ، وهل يجوز السلام عليها أم لا .. إلخ إلخ
ومع بداية التسعينات وفى عصر السماوات المفتوحة والفضائيات كانت الفرصة مهيأة لهؤلاء
أولا : لأن هناك أرضيه وبيئة صالحة لتلقى مايقوله هؤلاء الدعاة الجدد على شاشات القنوات الفضائية، وثانيا : بقدر ما أنفق بسخاء عليهم من أجل نشر هذا الفكر ” مع أن تلك الدول قد تخلت عنه مؤخرا بين ليلة وضحاها ” وقد أصبح لهم من المريدين والأتباع مالم نحط به علم !!
ولكن السؤال الأهم : هل يحمل هؤلاء الدعاة المؤهلات والشهادات العلمية التى تؤهلهم لذلك ؟
الحقيقه أن قلة منهم هى التى تحمل تلك الشهادات ، وأعتقد أن الكثير منهم لايحمل شهادة جامعية أو مؤهلا يؤهله لتلك الدعوة ، وإنما كل مقوماته أنه وجد لديه بعض من فصاحة القول ، ووجد من يستمع إليه ويردد حديثه فإستعذب مايقول ووجده سهلا ، بل وسار على نهجه الكثيرين .
والعجيب فى الأمر أن يتخذ كل “شيخ” من هؤلاء سمت خاص به ، أو إن إستطعت فقل ” لوك ” يميزه عن غيره .. ومؤخرا رأينا أحدهم وقد إستحدث له ” نيو ـ لوك ” ليتماشى مع العصر والأوان بعد أن زهد الجبة والقفطان .. والله أنها كلها أدوات للنصب والغش والتدليس وهى أساليب للتسويق زائفة .
والغريب فى الأمر أيضا أن يكون هؤلاء سببا فى إحداث الفرقة والبلبلة بين الناس لأنهم أطلقوا العنان للأحاديث الموضوعة والفتاوى الشاذة والبعد عن صحيح الدين وسماحه الإسلام ووسطيته لا من أجل شىء سوى ” الشو ” الإعلامى وزياده نسب المشاهدة
ومازاد الطين بله أن يكونوا السبب فى ظهور الشيع والفرق والطوائف والجماعات التى باتت تشكل خطرا على أمن المجتمع وسلامته ، بل وكانت سببا فى إنصراف الشباب عن أمور دينهم وتبنى العديد منهم للفكر المتطرف والفتاوى الجهادية والتكفيرية ، وعلى النقيض منهم لجأ البعض إلى الإلحاد !!
وبعد أن تحول الدين من يسر إلى عسر بقى سؤال : على من يقع اللوم : هل يقع على كبار العلماء الذى آثروا الإنزواء جانبا تاركين الملعب سداح مداح لهؤلاء حتى إختلط الحابل منهم بالنابل ، أم على من أعطوا لهم الفرصة إلى الظهور عبر منصات الإعلام ، أم على الجهل الذى يعانى منه المجتمع ؟ الحقيقه أن اللوم يقع على الجميع بلا إستثناء : فمن شاهد ومن سمع ومن صمت عليه اللوم ، ومن أهمل فى تجديد الفكر أيضا عليه اللوم
الموضوع جد خطير ويحتاج إلى وقفة حاسمة ، يحتاج إلى عودة إلى فقه الأئمة الأربعة لأن فيه مايسد رمق المحتاج ، يحتاج إلى التفقه فى الدين كما قال الرسول (ص) “استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك” ويحتاج إلى تجديد الفكر ، ويحتاج لأن يكون هناك وعى حتى يبتعد الناس عن تجار الدين وأقوالهم الشاذه ، ويحتاج لأن نعى أن لكل عصر دعاه وان هؤلاء هم دعاه العصر الذين يجب الإبتعاد عنهم .
عبدالناصر البنا
القناه الفضائيه المصريه
Elnaser66@yaoo.com
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.