الدولة تشرف علي التعليم العام في جميع مراحله المختلفة بمدارس الدولة بالمجان .. هذا هو نص المادة 50 في دستور 1956 وبعدها بخمس سنوات تحديدا عام 1961 أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قراره بمجانية التعليم في التعليم الجامعي لتشمل المجانية جميع المراحل التعليمية, وهذا من وجهة نظري أهم إنجازات ثورة 1952 وأهم ما اتخذه جمال عبد الناصر من قرارات التي لولاها ما تعلمت ولا كنت بينكم, ولا عرفت قيمة تلك القرارات بعدما تم الجور عليها ومحوها الواحدة تلو الأخرى بحجج مختلفة أهمها أن الشعب هو المخطئ, والغريب أن كل كبار المسئولين ممن تمتعوا بمجانية التعليم وربما لولاها ما كانوا في مواقعهم هم أول من يجور عليها.
هذا الأسبوع مرت الذكري الخمسون لرحيل الرئيس جمال عبد الناصر, ولم أكن في يوم ما ناصريه أو حتي ساداتيه , ولم أعبأ كثيرا بالخلاف الأيديولوجي بين الفريقين فكل له قناعته وأسباب تأييده لهذا أو لذاك, لكن عندما يصادف ذكري الرحيل مع قرارات وزير التربية والتعليم بمضاعفة المصروفات المدرسية, بنسب 200 و300% دون النظر إلي الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتأثيرها الخطير علي فئات المجتمع الأخذة في الفقر. بل قل تأثير ذلك علي الشعور العام بالانتماء للأرض وهي قضية أمن قومي لو تعلمون, ناهيكم عن تضيق الخناق علي أهم وسائل الارتقاء الاجتماعي للمواطن ألا وهي التعليم, فبات الوضع وكأنه المواطن مستأجرا لجنسيته وعليه دفع المقابل في كل شيء.
بعض الجامعات الحكومية مثل جامعة عين شمس دخلت في مزاد الغلاء, وضاعفت خمس كليات مصروفاتها, بل أن كلية تجارة عين شمس تفرض علي الطلاب قرص مدمج يضم المقررات الدراسية يفوق الـ 500 جنيه بخلاف مضاعفة المصروفات. ولهذا يحسب لجامعة القاهرة برئاسة الدكتور محمد عثمان الخشت أنه لا زيادة في مصروفات الدراسية وأن الجامعة مستمرة في دعم الطلاب غير القادرين وأن زيادة التكلفة الفعلية تتحملها الدولة والجامعة تخفيفا علي الطلاب.
في الذكري العاشرة لثورة 1952 قال جمال عبد الناصر في الإسكندرية.. بعد مرور عشر سنوات من الثورة أستطيع أن أعلن أننا منذ العام الدراسي القادم سنجعل التعليم كله مجانا في المدارس والجامعات والمعاهد العليا وبهذا العمل نوفر لكل أبناء الشعب الفرصة في التعليم, ما فيش ميزة لواحد علي الأخر لأن ده عنده إمكانيات في دفع المصاريف والتاني ما عندوش الميزة الوحيدة هي الجهد, والفرق الوحيد بين أي فرد والتاني هو عمله وناتج عمله , قال أيضا… السنة اللي فاتت أحنا خفضنا المصروفات للنص لكن السنة دي نقرر أن يكون التعليم مجانا في جميع المراحل ونسير في بناء اشتراكيتنا عدالة اجتماعيه, تكافؤ فرص, ما فيش عاطلين بالوراثة, ما فيش أمراء ولا أولاد رأسماليين , الجيل الجديد كله يطلع يتمتع بهذه الميزات, ميزة المجتمع الاشتراكي المتحرر من الاستغلال بجميع أنواعه, سنبني المجتمع القوي, سنعطي لكل فرد من أبناء هذه الأمه الفرصة المتكافئة وسنعمل علي إذابة الفوارق بين الطبقات…كان هذا من مذكرات هدي عبد الناصر فيما كتبته عن والدها الذي كان يوزباشي بالجيش المصري وسعي للحصول علي المجانية لشقيقه “الليثي” حتي يخفف حمل المصاريف عنه وعن كاهل والده الفقير, كان عبد الناصر يدرك ما تتكبده الأسرة المتوسطة والفقيرة من أجل تعليم أبنائها, ولهذا أنتصر لها.
عبد الناصر أرجع أسباب التخاذل عن التوسع في التعليم قبل الثورة إلي أهداف سياسيه لا اقتصاديه حيث قال في حفل توزيع الأراضي علي الفلاحين في بلده معمل القزاز ,أنهم كانوا ينظرون إلي الفلاح علي أنه القانع دائما بأي أجر والذي لا يجب أن يشعر بحرية أو تعليم أو يرتفع مستواه الاجتماعي, لان رفع مستواه أو شعوره بالحرية أو حصوله علي القدر الكافي من التعليم قد يدفعه إلي أن يرفع صوته ويطالب بحقه, مش ممكن بعد ما يتعلم يقبل يكون عبدا أو أجيرا في الأرض, والأرض تكون محكومة لعدد محدود من الناس.
في ذكري وفاته نسترجع بعض من أقواله في ملف التعليم. عبد الناصر كان فقيرا فانتصر للفقراء, وحاول جاهدا قولا وفعلا النهوض بهم ولهذا لم يخذلوه رغم الإخفاقات السياسية والعسكرية, وحين قررت مصر الثأر لنكسة 1967اعتمدت في حرب أكتوبر 1973 والذي نحتفل هذا الشهر بذكري النصر, علي تدريب وتأهيل طلاب الجامعات المتعلم تعليما مجانيا رحم الله جمال عبد الناصر.