ابراهيم نصر يكتب : الاختبار الصعب
إنه اختبار صعب لا يجتازه إلا المؤمنون حقا الذين وقر الإيمان فى قلوبهم، وصدق هذا الإيمان أعمالهم، وتغلبوا على هوى النفس وخالفوا الشيطان الذى هو عدوهم: “إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ” (فاطر – 6).
هذا الاختبار هو التصدق بنفقات حج التطوع بعد أن حالت ظروف كورونا دون أداء الحج فريضة أو تطوعا هذا العام، وذلك تصديقا لما رواه عبد الله بن عباس رضى الله عنهما فى صحيح الجامع وأخرجه الإمام أحمد فى مسنده قوله صلى الله عليه وسلم: “تَعَجَّلُوا إلى الحَجِّ، فإنَّ أحَدَكُمْ لا يَدرِي ما يَعرِضُ لَهُ”. وها هو العارض المؤكد الذى منع الناس الحج إلا قليلا من المقيمن فى البلد الحرام لتحقيق التباعد الاجتماعى وتطبيق الاحترازات الوقائية من انتشار فيروس كورونا، ولذا تعالت الأصوات وصدرت الفتاوى باستحباب إخراج نفقات الحج هذا العام للمتضررين من أصحاب الأعمال التى توقفت وقت الحظر الذى استمر بضع شهور، وما زال بعضها متوقفا نظرا لاستمرار حظرها كإقامة الأفراح وسرادقات العزاء واستمرار غلق دور المناسبات الملحقة بالمساجد مما تسبب فى توقف موارد الرزق لكثير من أصحاب الأعمال المتعلقة بهذه النشاطات وغيرها، وسمعنا مر الشكوى من ضيق الحال بالنسبة لهؤلاء لدرجة عدم القدرة على توفير ضرورات الحياة لعائلاتهم، ويضطرون لمد أيديهم بالسلف من المعارف تارة أو قبول الصدقات تارة أخرى، أو اللجوء للاقتراض من البنوك.
والتصدق بنفقة الحج لمن نواه هذا العام ليس على الإطلاق، وإنما فى تقديرى أن المقصود هو حج التطوع لمن سبق له الحج وسقطت عنه الفريضة، وكذلك نفقات عمرة التطوع إذا استمر الحظر لما بعد أشهر الحج.
تخيل معى أن المطلوب أن يتصدق مسلم مقتدر بما يصل إلى مائة ألف أو يزيد لكونه نوى الحج ولم يقدر عليه، ومهما حاولت إقناعه بأن ثواب هذه الصدقة قد يزيد على ثواب حج التطوع فربما تردد ومنعته نفسه الأمارة بالسوء ووسوس له الشيطان بأن يضن بمال الله الذى آتاه عن عباد الله الفقراء الذين هم عيال الله.
حقا إنه اختبار صعب إلا على الذين هدى الله وجعلوا الدنيا فى أيديهم وليس فى قلوبهم، ولو تدبر الإنسان أثر هذا الصنيع فى نفس كل محتاج يصله شئ محترم من نفقات هذا الحج لأدرك يقينا أن ثوابه عند الله عظيم عظم ثواب حج التطوع وقد يزيد.
الأمر الآخر الذى ينبغى أن نلتفت إليه بعد حظر الحج هذا العام على جموع المسلمين، أن يدرك كل منا ضرورة المسارعة بالطَّاعات وأداء الواجبات قبل فَواتِ الأوان، ومن هذا المنطلق كان التوجيه النبوى: “تَعجَّلوا إلى الحَجِّ”، أي: بادروا وسارعوا إلى حج الفريضة، بعدم تأخيره عن زمن إمكانه، وتوفّر أسبابه من نفقة، وراحلة، وغير ذلك، “فإنَّ أحدَكم لا يَدري”، أي: لا يعرف ولا يعلم “ما يَعرِضُ له”، أي: ما يستجدّ عليه ويصيبه مِن حوادث الزّمان في مستقبله، فيسارع للحج خوفا من هجوم الآفات القاطعة، والعوارضِ المعوقة، فتمنع هذه الأشياء كالمرض ونحوه عن أداء الحج فتفوته الفرصة، فلا ينبغي تأخيرها؛ فإنها قد لا تدرك أبدا.
وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “استمتعوا من هذا البيت، فإنه قد هدم مرتين ويرفع في الثالثة”، ومن أراد الحج ورغب فيه وتمناه ولكنه عجز عنه فإن الله لواسع فضله ورحمته لا يحرمه الأجر، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك، فدنا من المدينة فقال: “إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً، إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر”. رواه البخاري.
Ibrahim.nssr@gmail.com