أحمد دراوي يكتب : الساحر

أحمد الدراوي
صحفى مساعد مدير تحرير جريدة عقيدتى
إحساس عجيب وغريب بيصادف بعض الناس فجأة وبدون مقدمات .. ممكن بعد سنة أو عشرين أو خمسة وعشرين أو أكثر أو أقل .. إحساس بالاستيقاظ المباغت ، زى اللى حصل مع “محمود عبد العزيز” في رائعة داؤود عبد السيد ” البحر بيضحك ليه؟”
فجأة صحى ليكتشف أنه شغال شغلانه ما بيحبهاش، بيلبس لبس مش شبهه، بيتعامل يومياً مع ناس بدون بنطلونات ، ومش بس كده دول بيضحكوا عليه علشان لابس بنطلون، ومستغربينه قوى ، بيكذبوا وبينافقوا وبيخدعوا بعض، بيتخانقوا على أسباب تافهه وبيستهلكوا مجهودهم وعمرهم في صراعات صغيره قوى وكأنهم طواحين الهواء، اللى عماله تلف كل يوم وتقطع في الهواء لا هتبطل لف ولا الهواء هيتقطع.
محمود عبد العزيز صحى من النوم شاف مراته وهى بتعمل اللى بتعمله كل يوم وبتتخانق على نفس اللى بتتخانق عليه وشافها لأول مرة بدون النص اللى تحت – لابسه بس من فوق – ضربها بالقلم وقام لابس هدومه وخرج لقي حماته بتقول نفس الكلام اللى بقالها سنين بتقوله ضربها هى كمان بالقلم نزل لقي البواب لابس جلابية لحد وسطه ضربه هو كمان بالقلم راح الشغل شاف الناس كلها لابسه من فوق ومفيش لا جيبات ولا بنطلونات ، وكل ما يقابل حد يرزعه على وشه بالقلم من أول السكرتيرة وزمايله ومديره لحد مكتب رئيس مجلس الإدارة اللى لقاه قاعد على مكتبه ومش باين هو لابس بنطلون ولا لأ.
كان رايح يشتكيله من الناس المجنونه اللى نازله شغلها بالنص اللى فوق فقط قام رئيس الشركة من ورا مكتبه لقاه هو كمان بجاكيت البدلة والشورت ضربه بالقلم وساب الشركة ونزل ساب عربيته وقلع ملابسه ورماها في الشارع وهو متجه باتجاه البحر والناس بتقول عليه أنه اتجنن وهو عمال يتخلى عن ملابسه قطعه قطعه.
شاف ع البحر شوية غجر بيسعدوا الناس باغانيهم وفقرات السحر وعايشين حياتهم ببساطه لا تفرز سوى الاستمتاع .. دار حوار بينه وبين كبيرهم .. هو ملخص فكرة السعادة في الحياة بأسلوب بسيط مفيهوش تعقيدات المبالغة.
هو ده اللى ممكن يحصل لأى حد بعد أى فترة زمنية في حياته يكتشف أنه بيشتغل شغلانه مش بتاعته عايش مع ناس مش شبهه، ولما يفكر هو بيعمل كده ليه يلاقي كل الحكاية هى بداية غلط نتج عنها تحدى وهمى في أنك تبقي شبه أفراد القطيع اللى عايش وسطهم وبيقلد أفكارهم مش بس حركاتهم ولبسهم، بيغرق في أحلام المجموع لأنه مفكرش لحظه أنه ليه هو حلمه الخاص !
الغريب أنى لما فكرت بشكل أوسع لقيت أن المفهوم ده موجود في أغلب الفلسفات الشهيرة .. “أفلاطون” اتكلم عن المفهوم ده في “اليوتوبيا” و “أرسطوا” في نظريته للوجود، مش بس كده  دا قبلهم القرآن في خواتيم سورة “الكهف” قال نفس المعنى بس بشكل أعمق وأكثر وضوحا : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمٰلًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيٰوةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} [سورة الكهف : 103 الى 104].
علشان يفضل السؤال قائم .. أنت هتصحي أمتى ؟! هتعيش أمتى ؟!! هتفهم أمتى ؟!
#فلسفيات #دراوى #بره_الصندوق
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.