سوف يضع التاريخ فصلة، واضحة، بين أبوابه، ليؤرخ بها لعالم ما قبل كورونا، وما بعد كورونا … إذ من المتوقع أن يتغير شكل العالم، وموازينه، بشدة، بعد مرور تلك الأزمة، لما ستتركه من آثار، واضحة، ستمتد لأجيال بعد أجيال، على كافة نواحي الحياة؛ السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وسيما النفسية.
يعنيني اليوم، أن أتناول أحد تلك الأحداث، المتوقع أن يفرد لها التاريخ فصولاً، كاملة، من كتبه، لقوة مردودها، وامتداد انعكاساتها، ألا وهي موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإدارته لأزمة كورونا. ففي شهر ديسمبر، الماضي، ومع بدء هجوم فيروس كورونا، على الصين، ومنها لبقية دول العالم، كان ترامب يستعد لحملة انتخابية، للفوز بمدة رئاسية ثانية، لمدة 4 سنوات، جديدة، تبدأ من يناير 2021، وهو ما يعد حلم كل رئيس أمريكي، وصل للمكتب البيضاوي، في البيت الأبيض، بأن يفوز بفترة ولاية ثانية، وإلا كان ذلك عار على تاريخ هذا الرئيس.
نجح الرئيس الأمريكي، ترامب، في الحفاظ على مقعده الرئاسي، في ديسمبر الماضي، بعدما فشلت كل محاولات الحزب الديمقراطي في عزله من منصبه، بعد معركة دامت لشهور متتالية، وبات مؤكداً، للجميع، أن ترامب سيخوض المعركة الانتخابية، في شهر نوفمبر 2020، عن الحزب الجمهوري، واستطلاعات الرأي تشير لاحتمالات فوزه، بنسبة لا تقل عن 95%، على منافسيه من الديمقراطيين، عزز من تلك النسبة نجاح، ترامب، خلال فترة رئاسته الحالية، من تحقيق أعلى معدل لنمو الاقتصاد الأمريكي، خلال الخمسون عام الماضية، كما حققت البورصة الأمريكية أرباحاً كبيرة، لم تحققها في أي عهد مضى. وانخفض معدل البطالة في أمريكا إلى 4,7%، وهي أقل نسبة في تاريخ الولايات المتحدة، في السنوات الماضية، بما انعكس إيجاباً على الموازنة الأمريكية، التي حققت وفراً ناتج عن خفض تكلفة إعانة المتعطلين عن العمل.
كما ارتفعت شعبية ترامب، بين العديد من الأوساط الداخلية، منها الزراعية، مثلاً، كمزارعي فول الصويا، في ولايات الوسط الأمريكي، الذين عوضهم ترامب عندما توقفت الصين عن استيراد محاصيلهم، قبل أن تستأنف الصين الاستيراد، مرة أخرى، في ظل زيادة الأسعار. ورغم ما صورته، بعض وسائل الإعلام، من رفض العامة لقراره بإغلاق الحدود مع المكسيك، وقراره بتعديل اتفاقات التجارة الحرة مع كندا، ودول أمريكا اللاتينية، إلا أن المواطن الأمريكي استشعر أهمية تلك القرارات لصالحه. وعليه، فقد هلت الأيام الأولى، من يناير 2020، والرئيس الأمريكي، وجميع من حوله، مطمئنون لتحقيق فوز ساحق في انتخابات الرئاسة، في نوفمبر 2021.
في تلك الأثناء، كانت إيران تتربص باستطلاعات الرأي، المشيرة لاحتمال فوز ترامب، الذي فرض عليها حصاراً اقتصادياً، شديداً، أثر، سلباً، على كافة الأوضاع السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، في البلاد، متمنية انقلاب الأوضاع ضده، بما يمكن الحزب الديمقراطي من الوصول للبيت الأبيض، لرفع الحصار الاقتصادي عنها، وعودة العمل ببنود الاتفاق النووي، الأمريكي-الإيراني، 5+1، كما كان عليه الوضع، قبيل مغادرة الرئيس باراك أوباما. تمنت إيران عدم فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، ولم يكن لها إلى ذلك سبيلاً، إلا التمني … فجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، أو كما يقول المثل “مصائب قوم عند قوم فوائد”، فقد هاجم فيروس كورونا الصين، في ديسمبر 2019، ثم عبر حدودها إلى شتى دول العالم، تباعاً، ولأول مرة، تترنح الولايات المتحدة الأمريكية، أمام ضربات هذا الفيروس، متقدمة ترتين جميع الدول، سواء في أعداد الإصابات، أو الوفيات، بما دفع ترامب للظهور، بصورة شبه يومية، على كافة وسائل الإعلام، للتأكيد على إدارته، الشخصية، الحثيثة، للموقف، بعد أسابيع من استهانته بالموقف، في بدايات اكتشاف الفيروس.
على الجانب الآخر، بدا لإيران أن رحيل ترامب، أصبح وارداً، بل ووشيكاً، بعدما انخفضت شعبيته، نسبياً، بسبب إدارته لأزمة كورونا، بينما يرى عدد من المحللين أنه في حال نجاح ترامب في السيطرة على انتشار فيروس كورونا، بتقليل أعداد الإصابات والوفيات، عن معدلاتها العالمية، خلال شهري أبريل ومايو، كما وعد، فسيكون قد حقق نجاحاً كبيراً، أما الضربة القاضية فتكمن في نجاح الأجهزة، والمؤسسات الأمريكية، في اكتشاف علاج لفيروس كورونا، ومصل للتطعيم ضده … في هذه الحالة سينطلق، ترامب، مرة أخرى، إلى سابق مجده، وستصل شعبيته عنان السماء، وتصاب إيران بخيبة أمل، كبيرة، ولن يكون أمامها، خلال السنوات الأربعة، القادمة، لترامب في البيت الأبيض إلا إعلان استسلامها، الكامل، لشروط ترامب للتخلي عن سلاحها النووي.
وفي سياق متصل، وكما نردد، فالنجاح له مائة أب، أما الفشل فله أب واحد … لذا في حالة عدم نجاح الإدارة الأمريكية في التصدي لفيروس كورونا، وارتفعت معدلات الوفاة، مصحوباً بالتأخر في اكتشاف اللقاح، والمصل اللازمين، مع احتمالية وصول دول أخرى إلى العلاج قبل الولايات المتحدة، خاصة لو كانت الصين، فسيعتبر ترامب هو المسئول، الوحيد، عن هذا الفشل، وبالتالي يفقد احتمالات وصوله لفترة رئاسية ثانية بالبيت الأبيض … ومع تردي الأوضاع حالياً، يظن البعض أنهم يسمعون إلى همسات ترامب في صلواته يدعو الله ألا يكون “الرئيس الذي أضاعته كورونا”.