إبراهيم نصر يكتب : فتنة الطلاق الشفوى

لا أحد ينكر أن تزايد معدلات الطلاق فى مجتمعنا.. بل فى كثير من مجتمعاتنا المسلمة أمر يدعو للدهشة، ويدفعنا دفعا لبذل الوسع فى إيجاد حل لهذه المشكلة،لا أقول للقضاء عليها ولكن على الأقل التقليل من نسبتها حفاظا على الأسرة وتماسك المجتمع.
وللأسف الشديد اجتهد بعض أهل العلم الذين لا نستطيع أن نتهمهم فى نواياهم، فرأو – وليتهم ما رأو – أن عدم إيقاع الطلاق الشفوى سوف يحد من المشكلة، وحين ظهر هذا الرأى بقوة منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، كادت تحدث فتنة فى المجتمع، واستطاع الأزهر الشريف بعلمائه الثقات أن يخمدها فى مهدها، إذ اجتمعت هيئة كبار العلماء وانتهت إلى أن الطلاق الشفوى يقع شرعا، وأنه لا مانع من أن يلزم ولى الأمر المطلق أن يوثق طلاقه حفاظا على الحقوق، ومنعا من التلاعب بالمرأة المطلقة.
وتابع مجمع البحوث الإسلامية هيئة كبار العلماءفى ذلك، وكذلك دار الإفتاء المصرية، وهدأت الأمور واستقر الرأى الفقهى فى مصر على أن الطلاق الشفوى يقع مع ضرورة التوثيق حتى تستطيع المرأة أن تحصل على حقوقها التى من بينها إمكانية أن تتزوج من رجل آخر، ويصعب ذلك إذا لم يتم توثيق الطلاق.
وظلت فتنة عدم إيقاع الطلاق الشفوى نائمة حتى أيقظها من جديد الدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، فى لقائه الأسبوعى مع الإعلامى عمرو أديب بفقرة الفكر الدينى من برنامج “الحكاية”على فضائية “mbc مصر”.
وبترتيب من البرنامج المغرض الذى دأب على إثارة الرأى المخالف دون إعطاء فرصة للرد، استحضر الشيخ خالد الجندى الذى يعزف على نفس الربابة التى يعزف عليها الدكتور الهلالى، بل لعله يستخدم آلات أخرى للعزف، فأدخل فى القضية الفقهية ما ليس فيها وتجرأ على مقام أسياده أساتذة الفقه والشريعة فى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وفى مجمع البحوث الإسلامية، وفى دار الإفتاء، وألمح هو وصاحبه إلى أنهم يمارسون “الكهنوت” المرفوض فى الإسلام، وأنهم لا يملكون الكلمة الأخيرة فى المسائل الفقهية، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يدعى من يخالف رأى هذا الجمع الغفير من العلماء وما استقر عليه فقه الأمة على مدى الزمان، بأنه هو الذى يملك الكلمة الأخيرة ويريد إلزام المسلمين برأيه من خلال سن قانون يفرض على الناس عدم إيقاع الطلاق الشفوى، بالمخالفة للشريعة والدستور.
أنا شخصيا مطمئن إلى أن القوانين التى تصدر عن مجلس النواب لن تكون مخالفة للشرع لأن الأزهر الشريف يقوم بمراجعتها، وإذا حدث تجاوز فى ذلك الأمر، فسرعان ما يسقط هذا القانون بعرضه على المحكمة الدستورية التى تلتزم برأى الأزهر الشريف فيما يتعلق بأحكام الشريعة بموجب الدستور الذى هو أبو القوانين.
والفتنة التى أقصدها فى عدم الاعتراف بالطلاق الشفوى هى حالة الفوضى والبلبلة والتشويش التى ستحدث فى المجتمع لدى بعض العوام فى قضية خطيرة يترتب عليها حلال وحرام وهدم علاقة محترمة أو إقامتها، ولا يجوز التلاعب فيها ولو بالهزل، وفى ذلك يقول الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – فى حديث صحيح رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة “ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة”.
ومعنى الحديث أنه لو طلق أو نكح أو راجع وقال: كنت فيه لاعباً هازلاً لا ينفعه قوله هذا، قال العلماء فى شرح هذا الحديث: اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان الإنسان البالغ العاقل فإنه مؤاخذ به، ولا ينفعه أن يقول: كنت لاعباً أو هازلاً أو لم أنوه طلاقاً.. أو ما أشبه ذلك من الأمور.
القضية لا يكفيها مقال، ولذا فإننا سننشر بعد قليل تحقيقا حولها نستطلع فيه رأى المختصين من علماء الأزهر المعارضين لعدم وقوع الطلاق الشفوى.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.