بمناسبة عيد الحب المحدد له الرابع عشر من فبراير من كل عام, وظاهرة الدباديب الحمراء وما يصاحبها من تعليقات ساخرة ومفهوم الحب في أذهان البعض خاصة المراهقين وكأنه فقط العلاقة بين الرجل والمرأة, توقفت أمام كلمات للدكتور هاني الناظر أستاذ الأمراض الجلدية الشهير علي صفحته الشخصية وهو يسجل ملاحظته بتلك المناسبة كطبيب يعمل علي مدار سنوات, قال أن أولئك الذين تمتلئ قلوبهم بالحب والرحمة والتواضع والتسامح وصفاء النفس, غالبا لا يعانون من مشاكل حبوب الشباب وتساقط الشعر, وتقل عندهم فرص الإصابة بالأمراض المناعية والحساسية الجلدية وعادة تتميز بشرتهم بالنضارة والحيوية وقلة التجاعيد. هكذا يرشدنا الطبيب الأنسان إلي العلاج الفعال لكثير من أمراضنا العضوية والنفسية وربما الاجتماعية والتي إن تمسكنا بها ستجعل كل أيامنا أعيادا.
عيد الحب أو يوم القديس فالنتين يحتفل به الغرب يوم 14 فبراير, بينما تحتفل به الكنيسة الشرقية يوم 4 نوفمبر, وهو اليوم الذي خالف فيه القديس فالنتين أوامر الإمبراطور الروماني الذي منع الزواج لكن فالنتين خالف ذلك وكان يزوج الفتيات والشبان سرا وحين اكتشف أمره زج به في السجن وهناك أحب ابنة السجان وتزوجها فتم تنفذ حكم الإعدام في ذلك اليوم الذي أصبح عيدا للحب.
صحيح أن سوق الهدايا وخاصة الدباديب الحمراء والورود والحلوى وربما الذهب والفضة قد ينتعش في ذلك اليوم, لكن هل هذا هو المعني الحقيقي للحب, خاصة ونحن نعيش مرحلة اضمحلال وتدني لتلك المعاني السامية, نلمسها بوضوح في الأغاني الهابطة لأسماء وأصوات غريبة وشاذه وكأنها مؤامرة كونيه عل كل ما هو جميل, جراد يزحف علي سير وأغاني وروايات عظماء الزمن الجميل, أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ومحمد فوزي وروايات إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وفن صلاح جاهين والحان سيد مكاوي وبليغ حمدي وغيرهم كثر.
الحب الذي يحتفل به الأن بالورد والهدايا سرعان ما يتحول إلي مشكلة اجتماعيه تدخل ساحات القضاء بعد أن قمنا بتسطيح معانيه الجميلة ومسخه في دب أحمر أو بضعه كلمات ساذجة في أغنية هابطة.
للأسف تشهد كثير من المجتمعات غربية أو شرقية علي حد سواء تطبيقا مشوها لمفهوم الحب الذي قد يتطور ليصل إلي حد الجرائم حتي الموت ليتخلص أي من الطرفيين من الأخر وصفحات الحوادث اليومية خير دليل خاصة عند وصول العلاقة إلي طريق مسدود, ناهيكم عن ظاهرة الطلاق وارتفاع معدلاتها بشكل مخيف, الأمر الذي يهدد بلا مبالغة السلام الاجتماعي ووفقا للإحصاءات الرسمية الصادرة عن المركز القومي للتعبئة والإحصاء هناك حالة طلاق واحدة كل دقيقتين ونصف وما ينتج عن ذلك من تشريد الأف الأطفال يقوم بعضهم ببيع الورد علي كورنيش النيل للعشاق الذين يحتفلون بعيد الحب وكأنها دائرة مغلقه . فأين هذا الحب الذي تستقيم معه الحياة, ليقف حائط صد أمام مشاكل الحياة؟
حين وضع القران الكريم الدستور للعلاقات الإنسانية قال تعالي في سورة البقرة أية 229 “فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ” والمعروف والإحسان من المودة والمحبة والرحمة فأين نحن من تلك المعاني الرائعة ؟
نصحتني صديقتي بضرورة إعادة قراءة كتاب قواعد العشق الأربعون, رواية عن جلال الدين الرومي تأليف إليف شافاق الحائزة علي جوائز أدبيه عديده وترجمت أعمالها إلي أكثر من ثلاثين لغة تحدثت عن وجود الحب داخل كل شخص منا, صحيح الكتاب يتناول رحلة شمس التبريزي مؤسس قواعد العشق الأربعون في بحثه عن الله وقصة صداقته مع المتصوف جلال الدين الرومي, الذي تحول من رجل دين عادي إلي شاعر يجيش بالعاطفة وصوفي ملتزم وداعية إلي الحب حيث أبتدع رقصة الدراويش وبات ينتمي إلي مملكة الحب.
التماهي في حب الله معني وصل إليه أيضا فيلم رابعة العدوية إنتاج عام1963 قامت ببطولته نبيلة عبيد, ويحكي قصة الزاهدة رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية المتصوفة الملقبة بأم الخير, شيخة العاشقين ومن أقوالها ..فليتك والحياة مريرة وليتك ترضي والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب . لو كانت المعاني الرائعة بيننا حقا لتجنبنا كثير من الأمراض العضوية والنفسية وتجنب المجتمع استنزاف موارده وطاقته ووجهها في الاتجاه الصحيح.