– دلائل خسارة الصين الاقتصاديّة وعلاقتها بخسائر أسواق الخليج النفطيّة
تنتهج الصين، أسلوباً صارماً في مُراقبة أسلوب حياة شعبها، وتُحاول تحت شعارات الحفاظ على موروثها الثقافيّ، والاجتماعي التي ينتقدها البعض، وعاداتها وتقاليدها، أن تعزل مُجتمعها عن العالم الخارجي، أو عن “العولمة” التي شوّهت الكثير من المفاهيم، والقيم، والأخلاقيّات، فمنصّات التواصل الاجتماعي “الأمريكيّة” على سبيل المثال من “الفيسبوك”، “تويتر”، و”اليويتوب” كلها منصّات محجوبة مُنذ العام 2009 تقول السلطات هُناك إنها أداة تحريضٍ، وفتنة، عدا عن اتّهامات الخصوصيّة المُوجّهة لتلك المنصّات، لا ترغب الصين أيضاً في تقديم الإباحيّة، فمحرّك البحث “جوجل” هو الأسرع في تقديم تلك المواد للرّاغبين فيها، وهو ما يجعله أيضاً غير مُتاحٍ هناك.
جُملة هذه الأسباب التي تُقدّمها الصين، في حجب أهم تقنيات العصر للتواصل والمعلومة، يعزوها البعض المُنتقد لأسبابٍ سياسيّةٍ أيضاً، تدخل في سياق القمع، ومُصادرة الحريات، وعدم تناقل الحقائق عبر تلك المنصّات، لكن الصين أيضاً وفّرت بدائل عن المنصّات الأمريكيّة، يُمكن التحكّم بها في ظل الأزَمات.
الصين اليوم تُواجه مرض الالتهاب الرئوي الحاد “كورونا”، ولعلّ منصّات التواصل الاجتماعي، كانت اللاعب الأكبر في تضخيم تلك الشائعات، ونشر الذعر، وإيهام البعض بحقيقة ذلك المرض، وطُرق انتشاره، والاتّهامات المُوجّهة للحُكومة الصينيّة في إخفاء الحقائق، وسرعة انتشار المرض، وتزايد أعداد الضحايا.
بث الشائعات.. والطبيب المُتوفّى
العرب كانوا الأكثر تصديقاً للشائعات، أو الشائعات التي تتماشى مع أهوائهم ومُعتقداتهم، بل وساهموا في انتشارها، وتصديقها، فمثلاً الرئيس الصيني ظهر في خطابٍ يطلب من المسلمين، أو يرجوهم الدعاء، لتخليص بلاده من فيروس كورونا، المُثير للضحك هُنا أن الرئيس الصيني شيوعي ومُلحد، ولا يُؤمن بالأديان من أساسها، لكنه على وقع الرعب التجأ للمُسلمين، والحقيقة أبعد من أن تكون صحيحة، والصورة التي ظهرت للرئيس قديمة لخطاب ألقاه في بكين، وجرى تركيب الخبر المُزيّف عليه.
هذه الحقيقة الزائفة المُتداولة، لا تعني أن الصين بريئةٌ تماماً، من اتّهامات إخفاء الحقائق فيما يتعلّق بالكورونا، فالطبيب الذي كان قد حذّر سلطات بلاده من الفيروس القاتل، توفّي من الفيروس ذاته، وذلك خلال علاجه المرضى في المستشفى المركزي بمدينة ووهان، وكان الطبيب لي وينليانغ قد خاطب زملاءه العاملين في القطاع الطبّي، من تفشّي فيروس، كان يظنّه في بادئ الأمر “سارس”، لكن الشرطة طلبت من الطبيب الراحل التوقّف عن نشر تعليقات كاذبة، بل وخضع من قبلها لتهمة “بث شائعات”، ووفاته هذه أجّجت الغضب في الصين، مما دفع هيئة مكافحة الفساد إلى القول بأنها بصدد فتح تحقيق في قضية الطبيب.
ولكن في ظل تلك الاتّهامات المُوجّهة للصين، كانت لافتةً تلك الإشادة التي حظيت بها الأخيرة، من منظمة الصحّة العالميّة، حيث أشادت المنظّمة بإجراءات الصين لمنع انتشار المرض، ودعت المنظّمة أيضاً إلى انتهاز الفرص للحيلولة دون انتشاره، من جهتها أقرّت السلطات الصينيّة بوجود أوجه قصور في تعاملها مع الفيروس.
خسائر اقتصاديّة مهولة!
على هامش الذّعر الذي يضرب العالم، أعلنت السلطات الصحيّة أنّ ما مجموعه 1153 مُصاباً بالفيروس قد خرجوا من المستشفى بعد شفائهم، بنهاية يوم الأربعاء، لكنّ أبحاثاً جديدةً تقول إنّ عدد الإصابات المُستجدّة، قد تكون عشرة أضعاف الأرقام المُعلنة.
وبالنّظر إلى الخسائر البشريّة، تنظر الصين إلى المشهد الفيروسي، باعتباره مشهداً أمريكيّاً تآمرياً، فوزارة الخارجيّة الصينيّة كانت قد اتّهمت الولايات المتحدة ببث الذعر، وعدم تقديم المُساعدة، فعلى هامش الذعر البشري من الفيروس، هُناك خسائر اقتصاديّة مهولة، بدأت تضرب اقتصاد الصين، الثاني على مُستوى العالم، فتعاملات البورصات تشهد مُبادلات مُتقلّبة، وسجّلت تراجعاً كبيراً مع بَدء افتتاح الجلسات، والحديث عن بورصتيّ شنغهاي، وشينزن.
وبحسب التّقديرات، فقد تراجع النّمو الاقتصاديّ الصيني 0.2، ومن المُتوقّع أن تصل قيمة الخسائر إلى 62 مليار دولار، هذا عدا عن مُغادرة الشركات الكبيرة الأسواق الصينيّة، وتوقيف أخرى عملها حتى إشعارٍ آخر، فيما انخفضت قيمة الأسهم الصينيّة بنحو 400 مليار دولار، الأسواق المحليّة مُغلقة، والرحلات مُتوقّفة.
ما علاقة الخليج والأسواق العربيّة بالخسائر؟
وسائل بعض إعلام دول الخليج تحديداً، ركّزت على الخسائر البشريّة، وتعميم حالة الرعب، عن طرق انتشار المرض، لكنها أغفلت فيما يبدو تداعيات خسائر أسواق دولها النفطيّة، في حال استمرار تفشّي كورونا، وصادراتها التي ستشهد انخفاضاً على الطلب، وتراجع أسعارها، حيث السوق الصينيّة تُغطّي نحو 60 بالمئة من احتياجاتها من إمدادات النفط والغاز من دول الخليج، فيما تتجّه الولايات المتحدة الأمريكيّة إلى الاكتفاء الذاتي للطاقة.
الأسواق العربيّة، أيضاً ستشهد رُكوداً، حيث تعتمد جلها على بضائع الصين، حيث آخر العُقود المُوقّعة ما قبل انتشار الفيروس، تكفي لمُدّة ستّة أشهر، وفيما يجري البحث عن البدائل، وإمكانيّة إنتاج الأسواق العربيّة بضائع تعويضاً عن النقص الصيني، قد تُواجه الأسواق العربيّة ركوداً اقتصاديّاً، فيما لو واصل كورونا رعبه، هذا عدا عن وصوله نفسه لأراضيها.
فيروس ينتقل عن طريق “البراز” أيضاً.. ماذا يعني؟
قد ينتقل فيروس كورونا عن طريق السعال، والعطاس، وملامسة الأسطح المُلوّثة بالفيروس مُباشرةً، والتعامل مع أشخاص مُصابين أو يُشتَبه إصابتهم بالمرض هذا بحسب تحذيرات منظمة الصحّة العالميّة، مُدّة حضانته قد تصل إلى 14 يوماً، لكنّ الجديد بحسب ما كشفت دراسة صدرت في مجلة الجمعيّة الطبيّة الأمريكيّة “أميريكان مديكال أسوسييشن”، أنّ الفيروس قد ينتقل عبر البراز، فشخص أمريكي على سبيل المثال، عانى من إسهالٍ ليومين، ثم اكتُشِف الفيروس ببُرازه، وهو ما يذهب بالباحثين نحو استكشاف المرض في كلا الجهازين التنفسي، والهضمي، حيث كان التركيز الطبّي مع أوّل اكتشاف الفيروس ينصب على مُلاحقة أعراض الجهاز التنفّسي من ضيق التنفّس، والسّعال، والحمّى.
الأمور خرجت عن السيطرة؟.. تعقيم العُملة
في ذات السياق، هُناك مقاطع فيديو مُتداولة، ظهر فيها أشخاص صينيون يقومون بتعقيم الأموال خشية أن تكون أسطحها مُلوّثة بالفيروس، وهذه من المقاطع التي جرى بثها، وأوحت أنّ الأمور بدأت تخرج عن السيطرة في الصين تماماً، لكن ما يجب التّذكير به، وبحسب الهيئة الفيدراليّة لحماية حقوق المستهلك، ورفاهية الإنسان في روسيا، فإنّ الأوراق الماليّة هي أكثر وسيلة شائعة لانتقال العدوى المرضيّة، وفيروس الانفلونزا يُمكن أن يبقى على العملة الورقيّة لمُدّة أسبوعين، وقد تأتي الإجراءات الصينيّة بتعقيم عملتها في إطار المُكافحة، وبحسب الخبراء، فإنّ البكتيريا تعشعش في الدولار الأمريكي، والكندي، والروبية الهنديّة، والأوراق الماليّة الرومانيّة أكثرهم قذارة.
وبينما يجري تبادل الاتّهامات بين الولايات المتحدة والصين، حيث الأخيرة تتّهمها ببث الذعر، وتتّهم أمريكا الصين بتصنيع الفيروس بمختبر بيولوجي، وتطفو على السّطح نظرية المُؤامرة الأمريكيّة، بحُكم الخسائر البشريّة الصينيّة، والأهم الاقتصاديّة التي جرى استعراض بعض منها في هذا التقرير، تُعبّر الصين أخيراً أيضاً عن مخاوف سياسيّة انفصاليّة، تتعلّق بجزيرة تايوان، واستغلال الأخيرة لفيروس كوورنا للانفصال، حيث تعتبر تايوان نفسها بلداً مُستقلّاً، فيما تعتبرها الصين إقليماً تابعاً لها.
مخاوف سياسيّة.. ونوايا انفصاليّة!
وعلى وقع تلك المخاوف، أعلن الجيش الصيني الأحد البدء في حشد قوّاته، وتعهّد بسحق أي مُحاولات لانفصال جديدة، “تستغل أحداث كورونا” الجديد، كما أشار مكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الدولة الصيني، بأنّ مُحاولات تايوان لاستغلال فيروس كورونا “لاستقلال تايوان” لن تنجح أبداً، وبالفعل حاولت تايوان الطلب من منظمة الصحّة العالميّة القيام بإجراءات مُنفصلة لمُواجهة الفيروس، وهو ما اعتبرته الصين مُحاولةً للاستقلال، واصطياداً للماء العكر، وكانت سلطات تايوان قد منعت دخول المُواطنين الصينيين، وفرضت إجراءات صحيّة خاصّةً بها، غير تلك التي أعلنت عنها الصين.
وبإعلان الجيش الصيني حشد قوّاته، بالرغم من انشغاله داخليّاً في تنفيذ خطط حرب، لمُواجهة كورونا، يوصل رسائل مفادها، أنه وأثناء انشغاله بمُحاربة المرض القاتل، جاهزٌ للتصدّي عسكريّاً لمُحاولات زعزعة استقراره، من خلال استغلال الفيروس، و”بث الذعر”، وسيسحق كما قال أي مُحاولات انفصاليّة، وهي رسائل “سحق” قد تكون مُوجّهةً بالأكثر للولايات المتحدة الأمريكيّة التي تدعم عادةً الحركات الانفصاليّة، وتقسيم الدول، قبل أن تكون لتايوان (جمهوريّة الصين أو تايبيه الصينيّة)، وكمرحلة ثانية من الحرب التجاريّة الاقتصاديّة المُندلعة أساساً بين البلدين (الصين- أمريكا).