أخيرا كشف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن تفاصيل خطة السلام لتسوية القضية الفلسطينية و إحلال السلام بين الفلسطينيين و إسرائيل وفقا لرؤية أمريكية إسرائيلية مشتركة….و القضية الفلسطينية واحدة من بين أقدم ثلاث قضايا عالميه لا تزال بلا حل حتى الآن…و القضيتان الأخريان هما قضية أو مشكلة كشمير..و قضية إنقسام كوريا إلى دولتين..شمالية و جنوبية..و القضايا الثلاث على إختلافها تقع بالمصادفة فى قارة واحده و هى قارة آسيا..كوريا فى أقصى شرق القارة..و كشمير فى وسطها..و فلسطين فى أقصى غربها…
و قد نشأت القضايا الثلاث متزامنه من حيث التوقيت خلال الفترة ما بين منتصف الأربعينيات و منتصف الخمسينيات من القرن الماضى…القضية الكورية هى الأحدث من حيث تاريخ نشأتها فى النصف الأول من الخمسينيات و هى قضية إنقسام الشعب الواحد إلى دولتين تحكمهما أيديولوجيتان متعارضتان..كوريا الشمالية شيوعية..و كوريا الجنوبية رأسمالية..و كان ذلك إنعكاسا لإنقسام العالم وقتها إلى معسكرين..شرقى شيوعى..و غربى رأسمالى..
و قد كان الإنقسام الكورى تعسفيا لدرجة أنه طال العائلات نفسها حيث أصبح جزء من العائلة الواحدة فى الشمال و الجزء الآخر فى الجنوب و لا سبيل إلى إلتقاء الجزئين…و كان للقضية الكورية نموذجان آخران مشابهان لها من حيث الشكل..و معاصران لها من حيث التوقيت..أحدهما قريب منها فى آسيا و الآخر فى أوروبا..لكنهما وجدا فى النهاية حلا..هو الوحدة..بينما بقيت القضية الكورية على حالها حتى اليوم…النموذج الأسيوى تمثل فى إنقسام فيتنام إلى شمالية شيوعية و جنوبية رأسمالية..الأولى يساندها المعسكر الشرقى بقيادة الإتحاد السوفيتى ” سابقا “..و الثانية تحظى بدعم المعسكر الغربى بقيادة الولايات المتحدة..و قد جربت الولايات المتحدة خلال الستينات و سبعينات القرن الماضى الحل العسكرى لهزيمة الشمال الشيوعى و فرض الوحدة بين الشطرين بالقوة تحت الراية الرأسمالية الغربية لكن تجربتها لقيت فشلا ذريعا..حيث طالت الحرب و إنتهت بأكبر و أشهر هزيمة عسكرية لأمريكا فى تاريخها و تحققت الوحدة بين الشطرين تحت راية الطرف المنتصر و بشروطه..و هى الراية الشيوعية..
لكن سرعان ما بدأ التحول التدريجى إلى نظام إقتصادى مختلط يستجيب لإحتياجات الناس و متطلبات العصر و يجمع بين دور الدولة و مبادئ الإقتصاد الحر لتصبح فيتنام بعد عقد واحد من الوحدة أحد النمور الإقتصادية فى القارة الأسيوية..النموذج الأوروبى تمثل فى ألمانيا التى إنقسمت إلى شرقية شيوعية و غربية رأسمالية و كانت أقرب شبها بالإنقسام الكورى حيث طال العائلات أيضا و فصل بينهما سور ليس له باب و هو سور برلين بل تمتد عليه الأسلاك الشائكة التى تمنع أى محاولة للتنقل بين الشطرين..
و قد تعلمت الولايات المتحدة من درس هزيمتها فى فيتنام فلم تلجأ فى هذه القضية إلى الحل العسكرى و إستخدمت سلاح الدعاية المضادة للشيوعية و تقديم النموذج الإقتصادى الرأسمالى فى ألمانيا الغربية فى أفضل صورة محاطا بمحفزات إقتصادية شديدة الإغراء تعكس مستوى التقدم التكنولوجى و الرفاهية التى يعيشها المواطن الألمانى فى الغرب مقابل حالة البؤس و التقشف و غياب حرية التعبير التى يعانى منها زميله فى ألمانيا الشرقية..و قد نجح هذا السلاح ليس فقط فى هدم سور برلين و تحقيق وحدة ألمانيا بشطريها تحت الراية الرأسمالية الغربية بل و إنهار الإتحاد السوفيتى نفسه و معسكره الشرقى كله…
الرئيس الأمريكى ترامب يحاول إستخدام نفس السلاح مع كوريا الشمالية للتخلى عن ترسانتها من القنابل النووية و الصواريخ الباليستية و إيجاد أرضية مشتركة لإعادة توحيد الكوريتين لكن محاولته تتعثر أمام موقف الرئيس الكورى الشمالى الذى يرى أن ” الثمن ” الذى يقدمه ترامب ليس كافيا لتخلى بلاده عن ترسانتها النووية و الباليستية فضلا عن أنه لا توجد ضمانات لإلتزام الولايات المتحدة بتعهداتها سواء إستمر ترامب فى السلطة أو جاء رئيس أمريكى آخر بدلا منه.
مشكلة كشمير هى مشكلة إقليم متنازع عليه بين دولتين هما الهند و باكستان..و بدأت فى النصف الأخير من أربعينيات القرن الماضى..فى البدء كانت الهند و باكستان دولة واحدة..إنقسمت مع إستقلال الهند عام ١٩٤٧ إلى دولتين..و بدأت باكستان نفسها منقسمة إلى شطرين تحت قيادة واحدة..باكستان الشرقية و باكستان الغربية و بينهما إقليم كشمير الذى تحول إلى منطقة نزاع بينها و بين الهند….بعدها إنفصلت باكستان الشرقية و أعلنت نفسها دولة مستقلة تحت إسم بنجلاديش..و أصبح الجزء الغربى هو باكستان التى نعرفها الآن..بينما ظل وضع إقليم كشمير كما هو مصدر صراع و صدام مستمرين لها مع الهند و كان دافعا لكل من الدولتين للسعى لإمتلاك سلاح نووى لردع الأخرى..و نجحت الدولتان فى ذلك و أصبح يحكمهما ما يسمى..توازن الرعب النووى..لكن هذا التوازن لم يمنع الإشتباكات العسكرية بينهما بالأسلحة التقليدية بين فترة و أخرى و سقوط ضحايا من الجانبين و لم يوقف إستمرار إدعاء كل منهما بأحقيته فى الإقليم دون وجود أى أفق لتسوية هذا النزاع…..
القضية الفلسطينية تزامنت مع مشكلة كشمير بإعلان قيام دولة إسرائيل على جزء من الأراضى الفلسطينية عام ١٩٤٨ تحقيقا لوعد وزير الخارجية البريطانية بلفور عام ١٩١٧ و تحولها من قضية شعب إلى قضية صراع عربى إسرائيلى شامل سيطر على الشرق الأوسط و تحكم بدرجة أو أخرى فى مقدرات شعوبه و كان عنوانا ثابتا لكل حروبه..١٩٤٨ و ١٩٥٦ و ١٩٦٧ و ١٩٧٣…فلسطين…
بإختصار شديد..قضية مختلفة ليست قضية شعب واحد تم تقسيمه جغرافيا إلى دولتين و أيديولوجيا إلى نظامى حكم مختلفين كما فى كوريا و ليست قضية إقليم متنازع عليه بين دولتين قائمتين جغرافيا و تاريخيا فى المكان كما فى كشمير فى أمر خطة ترامب للسلام..الشعب الفلسطينى وحده بلا منازع هو المنوط بقبولها أو رفضها..لا ينازعه فى ذلك أحد..هذا حقه فى تقرير مصيره و هو الحق الذى يكفله القانون الدولى و ميثاق الأمم المتحدة لكل شعوب الأرض و على أساسه حصلت تلك الشعوب على إستقلالها و أعلنت دولتها..النقطة الجوهرية الثانية أنه لا يمكن تجاهل التاريخ و القفز فوقه إلى الفضاء المجهول و أقصد بالتاريخ هنا قرارات الشرعية الدولية التى أصدرتها الأمم المتحدة منذ قرار التقسيم عام ١٩٤٧ حتى الآن…هذا فى الشق السياسى..أما فى الشق الإقتصادى من خطة ترامب و المقدر بمبلغ ٥٠ مليار دولار فهذا المبلغ..بفرض قبول الحديث فيه..لا يزيد كثيرا على رأسمال شركة أمريكية متوسطة..
ومن هنا يثور السؤال..بكم يا ترى تم حساب سعر متر الأرض فى القدس و الضفة الغربية بمعايير الصفقات العقارية..ثم بكم تم حساب سعر كل نقطة دم فلسطينية و عربية سالت على أرض فلسطين أو بسببها من ملايين الشهداء و المصابين..الكلمة للشعب الفلسطينى و معها سؤال يدق الرؤوس بعنف مع حالة الشتات العربى…من يملك فرض البديل..و هو مبادرة السلام العربية المطروحه من عام ٢٠٠٠ أو يقدر على ذلك….إنتهى….