تعتبر المناورات العسكرية أعلى مستويات التدريب، الذي تصل إليه القوات المقاتلة، فتجد كل دولة تخصص عام تدريبي، لتدريب جميع الوحدات على مهام القتال المكلفة بها، يبدأ ذلك العام التدريبي، عادة، بمرحلة الفرد، الذي يتدرب على المهمة القتالية المحددة له، فمثلاً جندي سلاح الإشارة يتدرب على جهاز اللاسلكي الذي يعمل عليه، والطيار الحربي يتدرب على استخدام مقاتلته بكفاءة …إلخ، لينهي الجندي المقاتل، هذه المرحلة، وقد أتقن مهمته الفردية، بحرفية، في القتال.
يلي ذلك مرحلة تدريب الطاقم أو المجموعة، وفيها يتدرب الفرد مع أطقم السلاح الذي يعمل عليه، فالجندي العامل على مدفع ما، يتدرب مع باقي أفراد الطاقم، على التنسيق بينهم، في تنفيذ المهمة الملقاة على المدفع، وهكذا. ثم تأتي مرحلة تدريب الوحدة الصغرى، ثم الوحدة الأكبر، وهكذا تتدرج مراحل التدريب حتى الوصول إلى مشروع تكتيكي، بكامل الأفراد، والمعدات، لمستوى اللواء، وهنا نكون وصلنا إلى المرحلة قبل النهائية، من العام التدريبي للقوات، لندخل، بعدها، إلى المرحلة النهائية، وفيها يتم التدريب بالذخيرة الحية، والتي تعتبر أعلى مراحل تدريب القوات المقاتلة، في العالم كله. بعد اجتياز تلك التدريبات، يمكن القول بأن تلك القوات أصبحت قادرة على تنفيذ أية مهام قتالية، تكلف بها من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة، أو رئاسة الأركان العامة، طبقاً للعقيدة القتالية الغربية، وتختتم هذه العملية التدريبية بالمناورة، وفيها تشترك كل الوحدات المقاتلة؛ البرية، والجوية، والبحرية، والدفاع الجوي، في شبه معركة متكاملة، طبقاً للعدائيات، المحتملة، على كل دولة، من أي من اتجاهاتها الاستراتيجية، طبقاً للتهديد.
وبناءً على ما تقدم، وعندما تنفذ أي دولة مناورة عسكرية، فذلك يعني أن قواتها المسلحة قد اجتازت كل مراحل التدريب، وعنما تكون تلك المناورة باستخدام الذخيرة الحية، بمشاركة أحد فروع قواتها، مثل القوات البحرية، على سبيل المثال، أو باجتماع كل، أو جزء من، قواتها، مثل القوات الجوية، مثلاً، ومعها القوات البحرية، والدفاع الجوي، فإن المراقبين، والمحللين العسكريين، يعتبرون ذلك قمة التفوق في الأداء، وفقاً لمعايير التقييم العسكري، بل ومنتهى الاستعداد، الفوري، لتنفيذ أي مهمة قتالية تحدد لها من القيادة العليا. وقد يزيد على ذلك التدريب العسكري، نوع آخر، وهو التدريب المشترك، مع دولة أخرى، أو عدة دول، وهو ما يعني تنفيذ التدريب بواسطة القوات الأعلى في مستوى التدريب، وأعني تنفيذ المناورات العسكرية، وتأتي أهمية التدريبات المشتركة، مع الدول الأخرى، في تبادل الخبرات مع هذه الدول، والاستفادة من أساليب القتال المختلفة، خاصة إن كانت هذه الدول تعتنق عقيدة قتالية تختلف عن تلك التي تتبعها قواتنا؛ فالقوات المسلحة المصرية تعتنق العقيدة العسكرية الشرقية، التي تم تطويرها بخبرة حرب 73، أما معظم الدول الأخرى فتعتنق العقيدة القتالية الغربية، ومن هنا فإن اشتراك قواتنا، مع قوات تعمل بعقيدة مختلفة، في تدريب واحد، يحقق لنا خبرة جديدة في ميادين القتال، كما أن الدولة الأخرى تستفيد، أيضاً، من خبرة قتال القوات المسلحة المصرية، التي اكتسبتها من خلال حرب أكتوبر 73.
وفيما يخص المناورة “قادر 2020″، التي نفذتها القوات المسلحة المصرية، خلال الأسبوع الماضي، فقد قامت هذه المناورة على ثلاث مبادئ؛ أولها، أن هذه المناورة العسكرية لم تكن موجهة لأي دولة، أو أي طرف في المنطقة، ثانياً، أن هذه المناورة استهدفت طمأنة الشعب المصري، لجاهزية قواته المسلحة، على أعلى درجات الاستعداد، وقدرتها على حماية، وتأمين، حدوده البرية، والبحرية، والجوية، وأهدافه الاقتصادية ضد أي تهديد من الخارج، أما المبدأ الثالث، فإن هذه المناورة تمثل ردع لكل من تسول له نفسه، في المنطقة، محاولة المساس بأمن مصر، الداخلي والخارجي، وليعلم القاصي، والداني، أن قواتنا المسلحة قادرة على حماية هذا البلد، وثرواته، ومقدراته.
تم تنفيذ المناورة “قادر 2020″، بالذخيرة الحية، وبمشاركة الأسلحة، والمعدات، العسكرية الجديدة، نسبياً، التي انضمت إلى الترسانة العسكرية المصرية، خلال السنوات الأخيرة، مثل الطائرات المقاتلة الرافال الفرنسية، وحاملات المروحيات الميسترال، والغواصات والفرقاطات الألمانية، والمروحيات الروسية، بما يعني من ناحية، أن قواتنا المسلحة قد بلغت أعلى مستويات التدريب على تلك الأسلحة والمعدات، ومن ناحية أخرى، أكدت، هذه المناورة، أن كل الأسلحة الجديدة قد أصبحت جزء من تنظيم، وقوة، الجيش المصري. نجحت المناورة العسكرية “قادر 2020” في العمل على الاتجاهات الاستراتيجية الأربعة لمصر؛ وهي الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي، ويقصد به الاتجاه السيناوي، الذي كان، عبر تاريخ مصر، اتجاه التهديد الرئيسي لمصر، ثم الاتجاه الاستراتيجي الغربي، ويقصد به الاتجاه الليبي، بالإضافة إلى الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي، ويقصد اتجاه منابع نهر النيل، والبحر الأحمر، وخصوصاً منطقة مضيق باب المندب، الذي قد يهدد الملاحة في قناة السويس، وأخيراً، الاتجاه الاستراتيجي الشمالي، والمقصود به البحر الأبيض المتوسط، الذي صار، مؤخراً، مطمعاً للعديد من العدائيات، بعد ظهور الغاز في منطقة شرق المتوسط، وأصبح على قواتنا المسلحة تأمين ذلك الاتجاه، وما عليه من أهداف اقتصادية، تتمثل في حقول الغاز الطبيعي، وخط الغاز المنتظر بين مصر وجنوب أوروبا، عن طريق قبرص واليونان.
ولمن لا يعلم، لم يحدث أن اجتمع على مصر تهديد من اتجاهاتها الاستراتيجية الأربعة، في ذات الوقت، مثلما هو الحال في الوقت الراهن، إلا أنه، على أية حال، ستظل القوات المسلحة المصرية، هي الحصن الأمين، القادر على حماية وتأمين مقدرات ومكاسب هذا الشعب، وأمنه، واستقراره، وأهدافه الاستراتيجية، بدعم من شعب مصر الأصيل، لنتقدم نحو مستقبل زاهر، بإذن الله … هذا هو قدر مصر، دائماً، أن يطمع في ثرواتها الطامعون، فيقف شعبها، مع قواته المسلحة، على قلب رجل واحد، لتحقيق أمنها وأمانها.