المتحف الكبير.. هدية مصر للعالم فى القرن ٢١ ويؤكد قُدرتها على العطاء الحضارى المستمر

كنوز الفرعون الذهبى.. دُرَّة المتحف الجديد

د. حسين عبد البصير  : الحس الحضارى للرئيس السيسى.. انعكس على الاهتمام غير المسبوق بالآثار المصرية 

– التركيز على تراثنا.. يدفعنا للتقدّم واستعادة أمجادنا السابقة

حوار: مصطفى ياسين
هو عالم آثار وروائي وكاتب مصري، حصل على درجة الليسانس في الآثار المصرية القديمة من كلية الآثار بجامعة القاهرة، حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الآثار المصرية القديمة وتاريخ وآثار الشرق الأدنى القديم من جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأمريكية، وألَّف عددًا من الكتب والمقالات العلمية والروايات مثل “البحث عن خنوم”، “الأحمر العجوز”، “الحب في طوكيو”، “ملكات الفراعنة.. دراما الحب والسلطة”، “الفراعنة المحاربون.. دبلوماسيون وعسكريون”، “أسرار الآثار.. توت عنخ آمون والأهرامات والمومياوات” وغيرها باللغتين العربية والإنجليزية، ينشر بانتظام في عدد كبير من الجرائد والمجلات المصرية والعربية والعالمية باللغتين العربية والإنجليزية.
شغل العديد من المناصب في الداخل والخارج، وأشرف وأدار العمل الأثري بالمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، المتحف المصري الكبير بالجيزة، منطقة أهرامات الجيزة، المقتنيات الأثرية، المنظمات الدولية واليونسكو، إدارة النشر العلمي بوزارة الآثار، وغيرها.
درَّس في جامعة جونز هوبكنز، جامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية، الجامعة الفرنسية (السربون 4) وغيرها.
ويشغل حاليا منصب مدير متحف الآثار، والمشرف على مركز د. زاهي حواس للمصريات بمكتبة الإسكندرية.
التقيناه على هامش المنتدى البيئى الساحلى العاشر، الذى عقده الاتحاد العربى للشباب والبيئة بمدينة الإسكندرية، فكان هذا الحوار.
– باعتبارك مديرا لمتحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، فما أهم محتوياته؟
الدكتور حسين عبد البصير
** متحف آثار مكتبة الإسكندرية هو أول متحف آثار يُقام داخل مكتبة، وهو أسبق تاريخيًا على افتتاح مكتبة الإسكندرية نفسها؛ نظرًا للتفكير فيه قبل أن يتم افتتاح المكتبة. وجاءت فكرة تأسيس متحف للآثار داخل مكتبة الإسكندرية نتيجة اكتشاف عدد من القطع الأثرية في موقع المكتبة، وتم تشكيل لجنة لإعداد الدراسات اللازمة لتكوين متحف يضم بعض الأعمال التي تم العثور عليها في موقع المكتبة، وتم تشكيل لجنة من الأثريين لإعداد خطة للمتحف، وتضم مجموعة المتحف عصورًا مختلفة للحضارة المصرية بدءًا من العصر الفرعوني وحتى العصر الإسلامي، مرورًا بالحضارة اليونانية التي جاءت إلي مصر مع قدوم الإسكندر الأكبر والتي أعقبتها الحضارة الرومانية ثم القبطية قبل دخول الإسلام إلى مصر.
وُلِدَت فكرة استضافة متحف للآثار داخل مجمع مكتبة الإسكندرية الثقافي حين تم اكتشاف عدد من القطع الأثرية الرائعة التي تعود للعصر الهيلينستي والروماني والبيزنطي، وذلك ضمن أعمال الحفر التي تمَّت قبل إقامة المكتبة في موقعها هذا.
ومتحف الآثار هو أحد المتاحف القليلة في العالم التي تعرِض قطعًا فنية تم اكتشافها في نفس مكان عرضها، وتم افتتاح المتحف رسميًّا في ١٦ أكتوبر ٢٠٠٢. وقد اختيرت مقتنياته بعناية لتعكس تاريخ مصر الثري والمتعدّد الثقافات والممتد عبر الثقافات الفرعونية واليونانية والرومانية، والقبطية والإسلامية، مع التركيز على الإسكندرية والمرحلة الهيلينستية. ويحتوي المتحف على ١١٣٣ قطعة معروضة، أبرزها المجموعتان التاليتان:
  • قطع فنية اكتُشفت أثناء أعمال الحفر في موقع المكتبة (١٩٩٣-١٩٩٥).
  • آثار رُفعت من قاع البحر المتوسط بالقرب من الميناء الشرقي وفي منطقة خليج “أبو قير”.
وقد أنشئ المتحف في عام ٢٠٠١ بهدف تعزيز البحث والابتكار من خلال البرامج والأنشطة المختلفة. فهو يعمل على تعريف زائريه بالفترات المختلفة من تاريخ مصر، وعلى توعية الشباب والنشء ثقافيًّا عن طريق تقديم مجموعة مختلفة من البرامج التعليمية.
تصميم عصرى
وقد صُمِّم المتحف بأسلوب عصري باستخدام أحدث تقنيات التصميم الداخلي؛ مثل أنظمة الإضاءة البصرية الحديثة التي تناسب المعارض، وأنظمة مكافحة الحريق والسرقة. وأضيفت اللغة الفرنسية مؤخرًا إلى بطاقات الشرح بجميع الأقسام بالمتحف بجانب اللغتين العربية والإنجليزية لخدمة كافة زائري المتحف.
ويُعد الموقع الإلكتروني لمتحف الآثار، والذي يضم قاعدة بيانات مسجَّل عليها ما يقرب من ألف قطعة أثرية، هو الأول من نوعه على مستوى مصر؛ من حيث عرضه لأغلب مقتنياته للجمهور على شبكة الإنترنت باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية. حيث يستطيع المستخدِم من خلال الموقع، الدخول على أيٍّ من أقسام المتحف وقراءة مقدّمة تاريخية وفنية عن العصر الذي تنتمي إليه القطع المعروضة بتلك الأقسام، يلي ذلك عرض تفصيلي وسَلِس لأهم القطع الأثرية المعروضة بالقسم. كما يمكن لزائري الموقع القيام بجولة تخيلية داخل قاعات المتحف.
 وتُعد مجموعة آثار “موقع مكتبة الإسكندرية” من أبرز وأهم المجموعات التي يضمها متحف الآثار؛ فهي تعكس المستوى الفني المتميز وطبيعة الحياة اليومية للعصر الهلِّينيستي، والروماني، والمسيحي. كما تعد نواة المجموعات التي أُلحقت به بعد ذلك من مختلف المتاحف المصرية؛ إذ أنه عُثر عليها أثناء حفر أساسات مبنى المكتبة الحالي. ويضم هذا القسم مائة وإحدى عشرة قطعة أثرية يأتي على رأسها أرضيات الفسيفساء بالغة الجمال التي تؤرِّخ للعصر الهلِّينيستي، والتي يُعتقد أنها كانت تُغطي أرضيات القصور الملكية التي كانت قائمة بهذه المنطقة.
ويعرض قسم الآثار الغارقة بعض القطع الأثرية التي تم انتشالها من قاع الميناء الشرقي بالإسكندرية، ومن خليج “أبو قير”، حيث كانت تقوم المدن القديمة “ثونيس- هيراكيلون”، و”كانوبس”، و”مينوثيس”. وتضم هذه المجموعة- بجانب العملات والحُليّ والأمفورات- مجموعة متفرِّدة من التماثيل وبقايا التماثيل، والتي يظهر فيها التأثير الأجنبي على الفن المصري. ومن هذه النماذج المتميزة تمثال من البازلت الأسود يُعتقد أنه يُصوِّر إحدى الملكات البطلميات والتي قد تكون “أرسينوي الثانية”.
قِطَع نادرة
ويضم متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية 183 قطعة من القطع الأثرية المكتشفة على جزيرة نلسون، حيث تقع على بُعد أربعة كيلو مترات من رأس خليج “أبو قير” وثمانية عشر كيلو مترًا من قلب الإسكندرية.
وقد بدأت بعثة إيطالية من جامعة “تورين” أعمالها في جزيرة نلسون عام 1998، وأثمرت جهودها بالكشف عن أكثر من 200 قطعة ذات أهمية أثرية كبيرة ساهمت بشكل أساسي في فهم حياة وثقافة ساكني الجزيرة القدماء.و
من بين هذه الاكتشافات قطع ترجع إلى الأسرة المصرية السادسة والعشرين وإلى العصر البطلمي،  بالإضافة إلى بعض القطع والنقوش والمقابر التي تعود إلى فترة الوجود البريطاني بعد معركة النيل في أغسطس من العام 1798.
وكان الحرص الدائم على تقديم كل ما هو جديد لزائري متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية هو الدافع لاستعارة بعض القطع الفريدة من المتحف اليوناني الروماني لعرضها بشكل مؤقت. وتضم هذه المجموعات قطعًا متميزة فنيًّا وتاريخيًّا وأثريًّا؛ إذ تنتمي لموضوعات ومجالات متنوعة وترجع لعصور تاريخية مختلفة، وهي كالآتي: مجموعة المحمرة التي اكتشفت بمنطقة سيدي بِشْر وترجع للعصر الروماني، ومجموعة من الأقنعة الجنائزية، ومجموعة تماثيل معبد الرأس السوداء الرومانية، ومجموعة خاصة بالإلهة إيزيس ومخصصاتها، وقطع منفردة مثل رأس الإمبراطور أوكتافيوس، وتمثال الراعي الصالح، وذراع من الرخام.
ويعتبر متحف الآثار في مكتبة الإسكندرية من أجمل وأروع المتاحف الأثرية في مصر. ويعرض مجموعة من القطع الأثرية في تتابع تاريخي يوضح ثراء وعظمة حضارة مصر عبر العصور ويجسِّد بذلك رسالة مصر الحضارية الخالدة، أرض الحضارات.
القَصْر.. والكِسْوَة
– وماذا عن قصر الأميرة خديجة بحلوان وكسوة الكعبة المعروضة في مكتبة الإسكندرية؟
** قام المفكر السياسي الكبير والدبلوماسي المتألق دومًا د. مصطفى الفقي- مدير مكتبة الإسكندرية- بالاتفاق مع محافظ القاهرة بافتتاح فرع لمكتبة الإسكندرية في القاهرة. وتم اختيار قصر الأميرة خديجة في حلوان التابع لمحافظة القاهرة كي يكون مقرًا مهمًّا لمكتبة الإسكندرية في القاهرة. وحديثًا قام “د. الفقي” بافتتاحه للجمهور. وسوف يكون هذا المقر مركزًا إبداعيًا وإشعاعيًا ينشر رسالة مكتبة الإسكندرية الحضارية والثقافية في القاهرة، وفقًا لرؤية “د. الفقي” بنشر الفكر والإبداع والثقافة والحفاظ على التراث في ربوع الأرض المصرية. وافتتح بالقصر عددًا من المعارض والفاعليات. وسوف يكون بالقصر مكتبة للطفل والنشء ومحاضرات وندوات وأنشطة ثقافية كثيرة كثيرة وجديدة على منطقة حلوان التي بها كثافة سكانية عالية وتفتقر إلى خدمة ثقافية متميزة كالتي تقدمها مكتبة الإسكندرية العالمية برؤية وقيادة عميد الثقافة العربية والمثقفين العرب والمثقف الكبير “د. الفقي”.
أما عن كسوة الكعبة الموجودة في مكتبة الإسكندرية، فإنها تمثّل واحدة من أبرز مقتنيات المكتبة وواحدة من العلامات المهمة التي تمثل عظمة وعبقرية عطاء الحضارة العربية الإسلامية المستمرة بإبداع ليس له مثيل عبر العصور والأزمان.
اهتمام غير مسبوق
– اذكر بعض مظاهر اهتمام ورعاية الدولة بالتراث المصرى القديم، سواء كان فرعونيًا أو أية حضارة سابقة؟
** الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي تهتم بالآثار بشكل غير مسبوق، ويكفي أن أذكر أن الدولة خصَّصت لوزارة الآثار أكثر من مليار جنيه لاستكمال المشروعات الكبرى في الآثار المصرية والتي توقفت نتيجة نقص الموارد المالية والتي هي وزارة تمويل ذاتي ولا تعتمد في ميزانيتها على وزارة المالية، وإنما يأتي دخلها من عوائد التذاكر والحفلات والفعاليات التي تجرى في الأماكن الأثرية المناسبة لذلك ووفقًا للقواعد المنظمة التي وضعتها وزارة الآثار في هذا الشأن.
ويكفي زيارة الرئيس السيسي لمشروع المتحف المصري الكبير، مشروع القرن وهدية مصر للعالم، والذي شرفت بالإشراف عليه لمدة ثلاثة أعوام، وغيره من المعالم الأثرية المصرية، والمتابعة المستمرة من قبل سيادته لكل مشروعات الآثار الحالية والمستقبلية مما يؤكد على مدى الحس الحضاري الذي يتمتع به الرئيس السيسي واهتمامه بالآثار بشكل غير مسبوق.
المتحف الكبير
– خلال فترة قريبة سيتم افتتاح أكبر متحف، اعطنا فكرة عنه، وما يضمه من آثار، وأهميته بالنسبة للسياحة؟
** المتحف المصري الكبير هو بحق هدية مصر للعالم فى القرن الواحد والعشرين، ويؤكد على أن مصر دولة عظمى ثقافيًا وأثريًا وحضاريًا، وأنها ما تزال قادرة على أن تقدم للعالم العطاء والإبداع والإبهار من خلال مشروعات ثقافية عملاقة، وأن مصر هي جاذبة أنظار العالم لها دومًا.
وسوف يضم المتحف أهم وأندر آثار مصر المكتشَفة عبر العصور، من خلال عرض متحفي مُبهر على أحدث التقنيات العالمية فى مجال إقامة المتاحف والعرض المتحفي على مستوى العالم، ليكون متحفا بالمفهوم الحديث للمتاحف، وليس كما كان المتحف مخزنا للآثار فقط.
وتعد درة المتحف المصري الكبير، كنوز وآثار الفرعون الذهبي توت عنخ آمون، والتي تقدر بأكثر من خمسة آلاف قطعة، وتم نقل عدد كبير منها من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف الكبير لتُعرَض فى مساحة تمثل سبعة أضعاف مساحة عرضها في المتحف المصري بميدان التحرير.
مهمة صعبة
– وهل اهتمامنا بالكنوز التراثية والحضارية، على المستوى المطلوب؟ أم أننا مُقصِّرون تجاه تراثنا وتاريخنا وحضارتنا؟
** الآثار تحتاج إلى أموال كثيرة لترميمها والحفائر بها وافتتاح متاحف وتأمين الآثار، وكذلك العمل على رفع كفاءة وتحسين معيشة الآثريين، ووزارة الآثار تبذل قصارى جهدها في هذه الأمور، غير أن المهمة ليست سهلة في ظل ضعف الإمكانيات المالية الموجودة لدى الوزارة. ونتمنى أن يشهد المستقبل المزيد من التقدم في كل هذه الأمور وغيرها.
المستقبل من الماضي
-ما أهمية التركيز على التراث والحضارة القديمة؟
** التراث يمثّل ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها؛ فلا توجد أمة لها حاضر مشرق ومستقبل مزدهر دون وجود تراث عريق وماضي مشرِّف لها.
والحضارات لها دورات من الصعود والهبوط، غير أن الأمة ذات التراث الحضاري العريق تستطيع أن تنهض من كبوتها وتحقق تقدمًا حضاريًا قويًا وإبداعًا عبقريًا يستند إلى تراث عظيم يحقق لها التقدم في كل المجالات التي تطمح إلى تحقيق تقدّم كبير فيها.
ومن هنا يأتي دورنا كعلماء آثار للتذكير والحفاظ على ماضي الأمة المصرية العريق ونقول: إننا كنا أمة عظيمة، وما نزال بفضل الله سبحانه وتعالى، غير من الممكن أن نحقق نصرًا حضاريًا كبيرًا إذا أخذنا بالأسباب التي من خلالها حققنا التقدم والسيادة والازدهار كما كنا أيام الفراعنة عندما كانت مصر سيّدة العالم القديم، وكانت القوة الضاربة في المنطقة، وكذلك في عز الحضارة العربية الإسلامية التي كانت سيّدة أوروبا وكانت حضارة بديعة في الأندلس، وعاش فيها المسلم إلى جوار المسيحي واليهودي في سلام وذلك بفضل سماحة وعظمة الإسلام الذي ساوى بين الجميع على اختلاف دياناتهم.
ومن هنا تأتي أهمية التراث حتى نرى طريقنا نحو المستقبل ونحدد أهدافنا ونعرف ماذا نريد من التراث تحديدًا وفي أي اتجاه نسير. هذه هي أهمية دراسة التراث والحضارة بكل عصورها وقيمها الحضارية العريقة.
دروس وعبر
-هل يفيدنا الاهتمام بالآثار فى تحقيق أهداف حالية؟ أو مستقبلية بتعلُّم الدروس والعِبَر مثلا؟
** دون شك، فدراسة علم الآثار والحضارات القديمة مفيدة جدًا من الناحية العلمية في دراسة الماضي ومعرفة كيف كانت الحياة قديمًا مثل سقوط الأمطار وكمّيتها ومواسمها وأماكن نزولها.
فمن الجدير بالذكر أن هذا سوف يحدث في المستقبل وبنفس الطريقة والكمية وفي نفس الأماكن وفقًا لعلماء الجيولوجيا القديمة.
وهذا يوضح أهمية علم الآثار في استشراف المستقبل ومعرفة ما قد يحدث في المستقبل. والعِبَر مهمة جدًا في الحاضر والمستقبل. ويفيد علم الآثار في تحقيق العديد من الأهداف الحالية والمستقبلية.
حقائق ونظريات
– هل يمكننا الربط بين نظريات متخصصى الآثار وبين بعض الآيات القرآنية التى تشير لقصص السابقين، وهل استفدتم من قبل من مثل هذا الربط؟
** هذا الربط مهم ومفيد في عدد كبير من المواقف والأحداث، غير أنه لا يعطينا المعلومة بشكل مفصَّل وكبير كما تفعل الحفائر الأثرية. وكما تعلم فإننا كمسلمين ننظر إلى القرآن، وغيره من الكتب السماوية، نظرة إجلال واحترام وتقدير، والكتب الدينية جاءت للعبرة والعظة، وبها إشارات تاريخية مفيدة عن الحضارات السابقة. وتؤكد المعلومات الواردة في القرآن الكريم على عِظَم الرسالة المحمدية، فكيف للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يعرف فرعون موسى، وغيره من الأحداث في مصر الفرعونية، وغيرها، والتي عرفنا بشكل علمي دقيق بعد أن نجح الفرنسي “جان فرانسوا شامبليون” في فك أسرار اللغة المصرية القديمة وصارت حضارة الفراعنة تتكلم بلسان حالها؟
إنه عظم الدين وعظم الرسالة، غير أننا لا نعرف بشكل دقيق من هو فرعون مصر الذي تم ذكره في القرآن الكريم، واجتهد الجميع في تحديده، لكن الله سبحانه وتعالى ترك الأمر كذلك حتى يتّعظ الجبابرة من النهاية غير الطيبة التي آل إليه مصير ذلك الفرعون، ولا يعني هذا أن كل فراعنة مصر القديمة كانوا مثله.
الفهم الصحيح
– ظهرت فى بعض الأوقات فتاوى تُحرِّم التماثيل والآثار بصفة عامة، كيف تفنِّد مثل هذه الفتاوى؟
** هذه الفتاوي تم الرد عليها من علماء الدين الأفاضل. وهذا الكلام مخالف لما جاء به الدين والشرع وقال به الله سبحانه وتعالي والرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام.
فقد جاء الإسلام بالدعوة إلى معرفة وتدبّر أحوال السابقين والتمعّن بحكمة وعظمة الخالق سبحانه وتعالى، وليس تدمير آثارهم، أو بيعها، فالآثار ملك للدولة وللإنسانية وليست ملكية خاصة. ولم يدمر عمرو بن العاص ولا عمر بن الخطاب آثار مصر الفرعونية عندما دخلها الإسلام.
بُناة مصريون
– هناك ادّعاءات يهودية بأنهم من بنى الأهرامات وأصحاب الحضارة المصرية القديمة، بماذا ترد على أولئك؟
** الأهرامات بناها المصريون القدماء ولا أحد غيرهم. وتم اكتشاف ما يؤكد صدق كلامي. والدليل الأول هو قرية العمال بناة الأهرام في هضبة الجيزة والتي اكتشفها د. زاهي حواس وفريقه منذ حوالي ثلاثين عامًا.
والدليل الآخر هو اكتشاف برديات وادية الجرف منذ عدة سنوات على البحر الأحمر بالقرب من السويس وتشير إلى أن الهرم الأكبر بناه الملك خوفو وأن العمال كانوا في عهده يجلبون الأحجار من طرة شرق النيل والنحاس من سيناء. وتوضح البرديات عظم مشروع بناء الهرم الأكبر الذي كان مشروعًا قوميًا كبيرًا وكان يساهم في بنائه الشعب المصري حتى تكتمل عظمة الفرعون في أعين الشعب المصري العظيم.
مخلوقات غير بشرية!
– وكذا هناك افتراءات بأن بُناة الحضارة المصرية القديمة مخلوقات من كوكب آخر وليسوا من البشر؟!
** هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق ويطلقه البعض من المغرضين والكارهين لمصر وحضارتها الخالدة. وتم الرد عليهم من معظم علماء الآثار في مصر والعالم كله. وهم يحقدون على مصر والمصريين ولا يريدون أن يصدِّقوا أن هذه الحضارة المصرية العظيمة بناها المصريون القدماء ولا أحد غيرهم. والدارس للحضارة المصرية القديمة يعرف أن المصريين القدماء هم الذين بنوا هذه الحضارة الخالدة. وللأسف يوجد برنامج تليفزيوني في الولايات المتحدة الأمريكية كل يوم أحد يطلق مثل هذه التخاريف، وللأسف له متابعون كثيرون!
غير أن المشكلة الحقيقية في رأيي هي وجود بعض المجانين في مصر والعالم العربي الذين يدّعون أنهم متخصصون في الآثار المصرية ويطلقون العديد من الخرافات التي يصدّقها العامة للأسف الشديد! ولا داعٍ لذكر أسماء بعضهم هنا، لكن الإعلام يعطي لهم مساحات كبيرة على اعتبار أنهم علماء مصريات وهم لا يعرفون أي شئ في علم المصريات العظيم! وللأسف يترك المتخصصون الساحة لهؤلاء الأدعياء؛ لذا فانني من خلال كتاباتي وظهوري في الإعلام أحاول تصحيح المفاهيم، وقد بعد بعض الأدعياء والحمد لله.
العلم والعمل
– ما هى نصيحتك لأبنائك الدارسين فى تخصصات المصريات والآثار؟
** العلم ثم العلم ثم العلم. لن ننهض إلا بالعلم والعمل وعشق الآثار وحب الوطن والعمل معًا على نهضة آثارنا ونشر العلم والوعي الأثري بين جموع الشعوب خصوصًا بين أبنائنا الطلاب في المدارس والجامعات وتعريفهم بتاريخنا وآثارنا من خلال أبنائنا من شباب الأثريين. وأتمنى لهم التوفيق والنجاح في حياتهم العلمية والعملية والاجتماعية.
فخر المصريين
– وما هى نصيحتك للمصريين عامة فى تعاملهم مع الآثار القديمة؟
** الآثار هي شرف وفخر الأمة المصرية وعلينا الاهتمام بآثارنا، فهي إلى أهميتها التاريخية والحضارية الكبيرة تمثل أيضًا قيمة اقتصادية كبيرة لو تم الإفادة منها على النحو الأمثل والذي يحقق المعادلة الصعبة وهي الحفاظ على الآثار وتحقيق تنمية من ورائها دون الإضرار بها.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.