فقدت القوات المسلحة المصرية، أحد أبرز رجالها، وأحد ألمع الأسماء في تاريخ العسكرية المصرية، وهو الفريق إبراهيم العرابي، رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق، في الفترة من يوليو 1983 حتى 1987، الذي بدأ حياته العسكرية، في عام 1950، بسلاح الفرسان، ثم انضم إلى الضباط الأحرار، عن طريق الدكتور ثروت عكاشة، ليلعب دوراً عظيماً في أحداث ثورة 23 يوليو 1952، وفقاً لرواية زميله في سلاح الفرسان، السيد حسين الشافعي، نائب رئيس الجمهورية الأسبق.
شارك الفريق إبراهيم العرابي، رحمة الله عليه، في حروب العدوان الثلاثي عام 1956، وفي حرب اليمن، وفي حرب 1967، وما تلاها من حرب الاستنزاف، وكان أحد أبطال حرب أكتوبر 1973، حيث كان برتبة عميد، كقائد للفرقة 21 المدرعة، قبل أن يتولى قيادة الجيش الميداني، ثم رئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة المصرية، ليعين، بعدها، مساعداً لوزير الدفاع، ثم رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة، عام 1983، واختتم حياته العملية كرئيس للهيئة العربية للتصنيع عام 1987.
حصل الفريق إبراهيم العرابي على درجة الماجستير في العلوم العسكرية، من أكاديمية فرونزا العسكرية العليا، بالاتحاد السوفيتي، كما التحق بكلية القادة والأركان المصرية، وحصل على زمالة كلية الحرب العليا، بأكاديمية ناصر العسكرية العليا … وخلال خدمته العسكرية، تولى سيادته قيادة القوات العربية بالعراق، كما عمل مدير لسلاح المدرعات المصرية.
عندما تولى، الفريق العرابي، رئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة، كان استخدام الحاسبات الآلية، وتطبيق النظم الإلكترونية، ونظم المعلومات، مفاهيم جديدة، وحديثة، على العلم العسكري، ليس في مصر، فحسب، وإنما في العالم كله، وهو ما يرجع الفضل فيها عالمياً، لوزير الدفاع الأمريكي الأسبق، روبرت ماكنامارا، وهو مهندس في الأصل، الذي تبنى مفهوم نظم المعلومات، في الجيش الأمريكي، فكان يتم استخدام آليات تخزين المعلومات، باستخدام تكنولوجيا المعلومات، للوصول إلى أنظمة تحقق، للحاسبات الآلية، معاونة القائد في اتخاذ القرارات العسكرية، كاختيار أنسب الطائرات الموجودة في القاعدة، لتدمير هدف معادي، على سبيل المثال. ونظراً لغرابة، وحداثة، تلك المفاهيم بين جيوش العالم، فقد تحفظ، الكثير منها، على تطبيقها، في البداية، إلا أن اللواء العرابي، لم يتردد في تبني، وتطبيق، تلك الأنظمة الحديثة، وهي ما تعرف اليوم باسم “آلية القيادة والسيطرة”.
حقق هذا النظام طفرة كبيرة في القوات المسلحة المصرية، وأصبحت، بفضله، أولى جيوش المنطقة، التي أدخلت هذه المنظومة الحديثة، وكانت هي البداية التي تطورت بعدها أنظمة القيادة والسيطرة في القوات المسلحة المصرية، فكنت ضمن وفد عسكري، ضم العقيد يسري الساعي، والعقيد محسن السلاوي، والعقيد سامي جمال الدين، ممن سافروا إلى فرنسا للعمل على تطوير هذه المنظومة الإلكترونية، في القوات المسلحة المصرية، تحت الاشراف المباشر للواء إبراهيم العرابي.
وجاءت خبرة حرب 73، لتؤكد أهمية العمل بهذه الأنظمة الجديدة؛ فخلال حرب أكتوبر 73، كان الفريق العرابي برتبة عميد، قائداً للفرقة 21 المدرعة، وهو أمر لم يكن شائعاً، في ذلك الوقت، أن يتولى قيادة فرقة مدرعة، ضابط برتبة عميد، إلا أن كفاءته، العلمية والعملية، وقدرته على القيادة، أهلته لتولي قيادة الفرقة المدرعة، ويحسب له المعارك العديدة، التي أدارتها الفرقة، خلال مرحلة تطوير هجوم القوات المصرية، شرق القناة، وقيام، بعض، وحدات الفرقة بالدفاع عن مدينة الإسماعيلية، غرب القناة، حيث نجحت في صد هجوم القوات الإسرائيلية، وأجبرتها على تحويل اتجاه الهجوم إلى مدينة السويس.
وقد شهدت القوات المسلحة المصرية، عند تولي سيادته رئاسة هيئة الأركان، بوزارة الدفاع، نشاطاً ملحوظاً في التدريب، على مختلف المستويات، كما رفع درجة الاستعداد القتالي، لكافة وحدات الجيش، ويحسب لهذا القائد العظيم، رفع مستوى الكفاءة القتالية، وتطوير خطة استدعاء الاحتياط، والتي لازالت أحد أهم مميزات القوات المسلحة المصرية؛ فكان سيادته خير معين لوزير الدفاع، آنذاك، المشير أبو غزالة.
وبعد انتهاء خدمته العسكرية في الهيئة العربية للتصنيع، تفرغ، الفريق إبراهيم العرابي، لحياته الشخصية، فانضم إلى جمعية هواة التصوير الفوتوغرافي، والتي أذكر أنني افتتحت لها العديد من المعارض الفنية، أثناء رئاستي لدار الأوبرا المصرية، وكان للفريق العرابي، العديد من المشاركات في تلك المعارض، تميزت جميعها بتصويرها في مناطق لم يدخلها هواة التصوير من قبل، خاصة المناطق الحدودية، وقبائل البشارية، على الحدود المصرية، والمناطق الصحراوية، في بحر الرمال الأعظم، فلم يتخيل الجمهور، أن وراء ذلك الإبداع الفني، رجل عسكري، بقيمة، وقامة، الفريق لإبراهيم العرابي.
وعلى الصعيد الشخصي، فأنا أكن للفريق إبراهيم العرابي، رحمة الله عليه، كل الحب، والاحترام والتقدير، ولا أنسى موقفه عندما كنت قائد لواء مشاة ميكانيكي، في المنطقة الغربية العسكرية، على الحدود المصرية-الليبية، ووطأت مركبتي العسكرية، أحد حقول الألغام، من مخلفات الحرب العالمية في الصحراء الغربية، فأمر سيادته بإرسال طائرة حربية، على الفور، إلى منطقة الحدود في السلوم، لنقلي إلى القاهرة لتلقي العلاج. ولم يكتف بذلك، بل حضر سيادته، في صباح اليوم التالي، وهو رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، ليطمئن على أحد قادة التشكيلات الميدانية، الذي أٌصيب في حادث انفجار لغم، وسأل، بنفسه، طبيبي المعالج، عن استدعاء حالتي الصحية للسفر إلى الخارج، ولم علم بضرورة سفري، في أسرع وقت، أصدر قراراً استثنائياً بسفري، دون تشكيل لجان البت، فكان لزيارته تلك، عظيم الأثر في رفع روحي المعنوية.
وهكذا ودعت القوات المسلحة المصرية، أحد رجالها الأوفياء … الذين تركوا بصمات كثيرة، وعلامات مضيئة، في تطوير القوات المسلحة، والفرد المقاتل … رحم الله الفريق إبراهيم العرابي، وجعل مثواه في أعلى عليين، بتفانيه في خدمة وطنه.