القوات المسلحة مؤسسة منضبطة، تعمل وفقاً لنظم، وقواعد، وتقاليد، وأعراف، ولذلك تعتمد عليها الدولة، حالياً، في إنجاز العديد من المهام الشاقة، التي تعتمد على الدقة العالية في الأداء، والسرعة في الإنجاز … والموضوع الذي سأتناوله اليوم ليس سراً على أحد، إذ أن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، قد طرحه في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف، منذ فترة، إلا أنه، مع الأسف، لم يأخذ حقه في التغطية الإعلامية.
بدأت القصة حينما كان السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، يراجع الميزانية السنوية، للقوات المسلحة المصرية، خلال اجتماعه بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولاحظ سيادته ارتفاع بند ميزانية الخدمات الطبية، وبالسؤال عن السبب، أفاد المسؤولون بأنه يعود للارتفاع الكبير في أسعار الأجهزة والمعدات الطبية، مثل أجهزة الأشعة بأنواعها، والمناظير، ومعامل التحاليل، وغيرها.
وهنا أمر السيد الرئيس بتشكيل لجنة من قطاع الخدمات الطبية، برئاسة اللواء طبيب بهاء الدين زيدان، مدير مجمع مستشفيات الجلاء للقوات المسلحة، وبعضوية العناصر المختلفة من القوات المسلحة، وفقاً للقواعد المعمول بها، للسفر إلى ألمانيا، للتفاوض، مباشرةً، مع الشركات الألمانية، المصنعة لتلك الأجهزة، مع العمل على إيجاد بدائل، في حال عدم تخفيض الأسعار، مع التأكيد على ألا تقل جودة الأجهزة والمعدات البديلة، عن مستويات الجودة التي يوفرها المنتج الألماني.
وبالفعل، سافر أعضاء اللجنة، إلى ألمانيا، وبدأت المباحثات مع الشركات الألمانية، لمدة ثلاثة أسابيع متواصلة، بدا، خلالهم، للجانب الألماني، أننا سنلجأ لمصادر أخرى، لتوفير وتأمين احتياجاتنا من الأجهزة والمعدات الطبية، وكان رأي الألمان أن منتجاتهم تشمل ضمان لمدة لا تقل عن عشر سنوات، وهو ما لا توفره أي شركة أخرى، ممن لا يزيد عمر ضمان أجهزتهم عن خمس سنوات، وكان رد اللجنة أن هذا صحيح ولكن عندما تكون الأجهزة الألمانية ضعف سعر منتجات الشركات الأخرى. وبالرغم من صدق الحجة الألمانية، أعضاء اللجنة المصرية لم يغفلوا أن سعر المعدات الألمانية يضاعف سعر أي منتج بديل، كما أن الألمان يسابقون الزمن في تطوير منتجهم، فتجد أن المستهلك لا يستفيد، تماماً، بطول مدة الضمان، لسعيه الدائم لاستبدال منتجه الحالي، بالمنتج المطور، لمواكبة التطور العلمي والتكنولوجي الحاصل في العالم.
لمس الجانب الألماني جدية المفاوض المصري، وجاهزيته للبحث عن منتج بديل، وهو ما يعني ضياع السوق المصري منهم، وما قد يتبعه من فقدان أسواق أخرى في المنطقة، لا تقل في أهميتها عن السوق المصري، فحدثت المفاجأة، التي استهدفها الوفد المصري، منذ بداية مباحثاته، بأن خفض الجانب الألماني أسعار منتجاته بنسبة 40% عن السعر المعروض، وعاد الوفد المصري من ألمانيا بأسعار لا تُصدق.
وهنا أمر السيد الرئيس بأن يتم التفاوض، مرة أخرى، مع الجانب الألماني لتدبير احتياجات جميع مستشفيات وزارة الصحة، والمستشفيات الجامعية، وحتى باقي المستشفيات التابعة للهيئات، أو الوزارات، مثل التابعة للشرطة، والأجهزة الأمنية. وهذه المرة تم دعوة الوفد الألماني، إلى مدينة شرم الشيخ، وأمام ارتفاع الطلب، وتجميعه، فقد نجحت المفاوضات في تدبير جميع الأجهزة، والمعدات الطبية، اللازمة لكل مستشفيات وزارة الصحة، بأسعار تنافسية، وبنسب خصم لا تقل عن ٤0% عما كانت عليه.
كان قرار السيد الرئيس بخفض الأسعار، يهدف لتحقيق فائض في موازنة قطاع الصحة، بما يسمح بمضاعفة أعداد الأجهزة والمعدات الطبية، والتوسع في تقديم الخدمات الصحية، في عدد أكبر من المستشفيات التابعة للدولة، التي تقدم خدماتها بالمجان، أو بأسعار رمزية، لغير القادرين، من أبناء مصر. وهنا ظهرت مشكلة في المستشفيات الجامعية، التي تعتمد على تبرعات المجتمع المدني، وليس لها ميزانية ثابتة مثل مستشفيات وزارة الصحة. ولأن العقد مع الجانب الألماني يجب أن يتم توقيعه بإجمالي المعدات والأجهزة، للاستفادة من نسبة الخصم، فقد وجه السيد الرئيس، بأن تحصل المستشفيات الجامعية على سُلفة من صندوق تحيا مصر، لتدبير مطالبهم من الأجهزة الطبية والمعدات الألمانية الصنع، على أن تقوم بسدادها بعد حصولها على الدعم المادي من الجهات المختلفة. وبذلك، فإنه لأول مرة، تعمل مستشفيات وزارة الصحة، في مصر، بأحدث الأجهزة الطبية العالمية، من أكبر الشركات الألمانية المتخصصة في هذا المجال.
وتذكرنا تلك النتائج الإيجابية، بذات الامتيازات التي حصلت عليها مصر، من شركة سيمنس الألمانية، عند التعاقد على أحدث محطات توليد الكهرباء، إذ حصلت عليها مصر بأقل الأسعار، ومن أقوى الشركات العاملة في هذا المجال، في العالم، بفضل جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي.
والآن عزيزي المواطن المصري، هل تعلم أن معامل التحاليل الطبية، في أي مستشفى مركزي حكومي، في مصر، يستخدم أدق وأحدث الأجهزة العالمية؟ حتى أن بعض المعامل، في القطاع الخاص، تستخدم أجهزة أقل حداثة عن الموجودة في مستشفيات وزارة الصحة. لقد كان اتخاذ تلك القرارات جزءاً من الخطة الموضوعة لتطوير، وتعميم، منظومة التأمين الصحي على جميع أبناء شعب مصر، والتي بدأت في محافظة بورسعيد، كتجربة استرشادية، لمدة عام، ليتم تطبيقها، مرحلياً، على باقي محافظات مصر.
ولعل أصدق دليل على ذلك خطاب الشركة القابضة للأدوية، التابعة لقطاع الأعمال، والمسئولة عن تدبير المستلزمات الطبية للقطاع الصحي بالدولة، حيث قدمت الشكر للجنة الشراء الموحد، برئاسة اللواء طبيب بهاء الدين زيدان، على أدائها في تنفيذ مناقصة شرم الشيخ، لتدبير مستلزمات وأجهزة وزارة الصحة والجامعات والهيئات الأخرى، خلال العام القادم، من أفضل الموردين في العالم، بمتوسط خصم يصل إلى 50% عن الأسعار السابقة، مما ساعد على تحقيق فائض يسمح بتدبير باقي الاحتياجات اللازمة من الأصناف الطبية.
وبحلول العام القادم، ستتولى أجهزة الدولة الطبية، التنسيق فيما بينها، للتعاقد، مباشرةً، مع الشركات الألمانية، حيث انتهى دور القوات المسلحة، بعدما قادت المفاوضات، في عامها الأول، لوضع الأسس والضوابط اللازمة لها، ولتمهيد الطريق لمن يخلفها في تولي المسئولية. ولقد تناولت هذا الموضوع بهدف توضيح أن القوات المسلحة المصرية، دائماً وأبداً، دورها رائد في مشروعات التنمية في مصر، ويتمحور حول تقديم المشورة، والخبرة للقطاع الحكومي، وتمهيد الطريق له لاستكمال المسيرة، ولتأكيد أن القوات المسلحة جزءاً من هذا الشعب العظيم، وحالياً، فإن واجبها الدفاعي عن أمن مصر القومي، لا يقتصر على حماية الحدود فقط، ولكن، أيضاً، في مساعدة الدولة على النهوض، لتحقيق تقدم ورفاهية وأمن المواطن المصري.