نستكمل ما بدأناه فى المقال السابق من الحديث عن الشأن العام، ومن له حق التحدث فى الشأن العام، وأذكرك عزيزى القارئ بالقاعدة الجديدة التى يرسيها الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، وكما قلت إنها قاعدة يقبلها العقل وتوافق المنطق السليم، ويؤيدها الواقع، وهى أن الذى يتحدث فى الشأن العام من غير المتخصصين ويصيب فعليه وز، وإن أخطأ فعليه وزران، وهذا بمفهوم المخالفة للقاعدة التى تقول: إن العالم المتخصص إذا اجتهد وأصاب فله أجران على اجتهاده وإصابته فى الاجتهاد، وإذا أخطأ فله أجر واحد على الاجتهاد الذى يملك أدواته، ودلل فضيلته على ذلك بأن غير الطبيب إذا أجرى جراحة لأحد فعليه وزر ويحاسب قانونا هذا إذا نجحت العملية، وإذا فشلت فعليه وزران، وكذلك تغلظ عليه العقوبة بقدر ما ترتب على فشل العملية من آثار قد تصل إلى الموت.
ولعل الفوضى العارمة التى تشهدها مواقع “التقاطع” وليس “التواصل” الاجتماعى، كانت أحد أسباب التحرك نحو عقد مؤتمر موسع لضبط هذا الأمر وتحديد من له حق التحدث فى الشأن العام، وتحديد ما هو المقصود بالشأن العام، وهل هو كل ما يرتبط بالدولة أو المواطنين، والتأكيد على أن الشأن الخاص إذا تعارض مع الشأن العام، فإن الغلبة تكون للعام وليس الخاص، وهذا ما تقره شريعة السماء، وتتفق معه القوانين والأعراف فى المجتمعات السوية، والدول التى تحترم نفسها.
وهناك مقترحات أبداها الدكتور أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة بمقاله المنشور فى “عقيدتى” العدد الماضى، بأن تكون هناك عدة محاور فى المؤتمر المزمع عقده برعاية وفى حضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، يمكن مناقشتها في الشأن العام وذكر على سبيل المثال: “المواطنة وبناء الأمم والشأن العام”، “الشائعات والشأن العام”، “المشروعات القومية والشأن العام”، “الإعلام والإعلام الرقمي والشأن العام”، بالإضافة إلى “التشريع والعقاب والشأن العام”، مشيرا إلى أن المجال الرياضي يخدم بشكل واضح الشأن العام، خاصة بعدما أصبح هناك دمج بين المجال الرياضي والشأن العام والفوضى، و أن من يريد أن ينشر شيئا سريعًا، يربطه بالرياضة، إما بشخصية أو موضوع، لذلك تصبح خطيرة، إما أن تقوم بعمل فوضى أو رد فعل إيجابي، وفي النهاية الجميع يهدف للنهوض بالشأن العام المصري في ظل القيادة السياسية الرشيدة الواعية، رغم كل التحديات الموجودة بالداخل والخارج.
أعتقد أن من الضرورة بمكان أن يتضمن المؤتمر محور “التشريع والعقاب والشأن العام” الذى اقترحه وزير الشباب والرياضة حتى تتضمن توصيات هذا المؤتمر ضرورة سن قوانين جديدة تغلظ عقوبة الاجتراء من غير المتخصصين على التحدث فيما لا يعرفون، وذلك فى شتى المجالات: الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والطبية إلى آخر التخصصات التى يتعمد البعض خوض غمارها بجهل وضلال.
أرجو أن ينتهى هذا المؤتمر إلى وضع ضابط أساسى هو: “من يتحدث فى ماذا؟” وهذ ما يعيه جيدا وزير الأوقاف الذى أخذ على عاتقه تكليف السيد الرئيس، وبدأ على الفور فى التجهيز والإعداد لعقده، ودعونى أختتم بمقولة طالما رددتها فى الندوات الأسبوعية التى تعقدها وزارة الأوقاف بالتعاون مع “عقيدتى” وتطوف جميع المحافظات على مدى أكثر من عامين، وهذه المقولة هى: “نحن بخير ما دمنا نحترم التخصص”، وفى المقابل فإننا فى شر مستطير حين ندع كل من هب ودب يتحدث فيما ليس لديه به علم كاف يعطيه حق التحدث للعامة، فما عدنا نحتمل هذا الهراء على “الفيس بوك” وخلافه من صبية أو مراهقين فكريا مهما كانت أعمارهم، أو من محبى الظهور وادعاء العلم فى كل شئ.