الكلمة التى ألقاها الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف فى الاحتفال الأخير بذكرى المولد النبوى الشريف، فى حضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، مست جرحا غائرا فى جسد الأمة المصرية، وربما الأمة الإسلامية جميعها، وبعض الأمم التى لم تنتبه بعد إلى خطورة الفصل بين الشأن العام والشأن الخاص، أو التركيز على الشأن الخاص دون التفكير بالقدر نفسه أو أكثر فى الشأن العام، وهذا ما جعل الرئيس يكلف فى الاحتفال نفسه بعمل مؤتمر موسع لوضع ضوابط للحديث فى الشأن العام، وبعد ساعات من هذا التكليف كان التحرك سريعا من وزير الأوقاف لعقد جلسات تحضيرية لهذا المؤتمر، ليخرج بالصورة التى تليق باسم مصر، وكانت أولى هذه الجلسات فى دار الجمهورية للصحافة تحت رعاية الهيئة الوطنية للصحافة، وبحضور ثلاثة وزراء، ورئيس الهيئة ونخبة كبيرة من العلماء والمفكرين، وكوكبة من الصحفيين بدار التحرير يتقدمهم سعد سليم رئيس مجلس الإدارة، وعبد الرازق توفيق رئيس تحرير الجمهورية، ومحمد الأبنودى رئيس تحرير عقيدتى.
ولعل من أكبر مشكلات واقعنا المعاصر وخاصة في هذا القرن الذى نعيشه هو: طغيان الشأن الخاص على الشأن العام وقد كان لذلك عظيم الأثر في تكوين العقلية الإسلامية والعربية، وكذلك المصرية وهذا ما يخصنا، وقد لا أغالى إذا قلت إن ما يحدث الآن من كوارث في عالمنا يرجع إلى ذلك.
والمفترض أن الشأن الخاص يتعلق بالشعائر التعبدية الخاصة والأحكام الفقهية القاصرة النفع على الفرد أيا كانت ديانته، أما الشأن العام فهو ما كان من قبيل الأحكام متعدية النفع للمجتمع والدولة من الأحكام الفقهية العامة مثل فقه أمن المجتمع وصحته وتعليمه وإدارته وطريقة حكمه وفقه منظومة الحقوق والواجبات العامة وحفظ مقاصد الشريعة الستة فى الدول الإسلامية وهى حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال والوطن، وهى متعلقة بالمجتمع والدولة ككل.
ولكن لماذا يوجد بيننا تاجر مسلم قد يصلي فى المسجد كل الفروض ويصوم، أو مسيحى يتعبد فى كنيسته، لكنه لا يبالي بأرزاق الناس واقتصاد البلدان؟، ولماذا لدينا من يكون حريصا على نظافة بدنه وثوبه ومكانه، لكنه ليس حريصا على نظافة شارعه ومدينته وربما حتى مسجده أو كنيسته؟، ولماذا بيننا من لا يرضى أن يظلم في حقه، لكنه يرضى أن تظلم أمته؟، ولماذا بيننا من يعتبر حرية التصرف الفردي حقا مقدسا له، لكنه لا يبالي بالحريات العامة؟
لا شك أن الجلسة التحضيرية الأولى التى شرفت بحضورها الأسبوع الماضى بدار الجمهورية للصحافة قد ألقت حزمة من الأضواء على أهم المرتكزات التى يمكن أن يتناولها المؤتمر المزمع عقده، وتأتى فى مقدمة هذه المرتكزات ومن أهمها أن الهدف هو وضع ضوابط للتحدث فى الشأن العام، وليس وضع القيود، ومنها التأكيد على أننا نواجه خلطا فى المفاهيم وتشكيكا فى الوطنية والهوية والانتماء، وكعادته يفاجئنا الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بقاعدة جديدة يقبلها العقل وتوافق المنطق السليم، ويؤيدها الواقع، وهى أن الذى يتحدث فى الشأن العام من غير المتخصصين ويصيب فعليه وز، وإن أخطأ فعليه وزران، وهذا بمفهوم المخالفة للقاعدة التى تقول: إن العالم المتخصص إذا اجتهد وأصاب فله أجران على اجتهاده وإصابته فى الاجتهاد، وإذا أخطأ فله أجر واحد على الاجتهاد الذى يملك أدواته.
ودلل على ذلك بأن غير الطبيب إذا أجرى جراحة لأحد فعليه وزر ويحاسب قانونا هذا إذا نجحت العملية، وإذا فشلت فعليه وزران، وكذلك تغلظ عليه العقوبة بقدر ما ترتب على فشل العملية من آثار قد تصل إلى الموت.