جيهان عبد الرحمن تكتب : ونتنمر علي أنفسنا

التنمر لفظ جديد علي مجتمعنا تم استيراده من الثقافة الغربية بل إن بعض الولايات الأمريكية لديها قوانين ضد التنمر, لكن المفهوم ارتبط لدينا بالتنمر المدرسي ويعني ممارسة العنف والبلطجة والتسلط والإرهاب والاستقواء علي الضعفاء وترهيبهم وإيذائهم بدنيا ونفسيا, لكن هذا المعني بدأ يتسع ويخرج من جدران المدارس إلي الشوارع والمنازل ويمارس بلا خجل عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتي بات سببا مباشرًا لكثير من الأحداث المؤسفة منها التطاول والنقد الجارح مثلما فعل البعض مع الفنان الراحل هيثم أحمد زكي الذي صدمنا خبر موته المفاجئ لنعلم بعدها كم مارس البعض عليه من القسوة والتجريح والطعن في موهبته ليختار الشاب اليتيم الحزين العزلة والانطواء ليموت وحيدا ويترك لنا التوحش والظلم يرتع في المجتمع بلا وخزة ضمير ولا رمشة جفن بحثا عن صيد جديد.
د. هاني الناظر رئيس المركز القومي للبحوث الأسبق والطبيب الأنسان كتب علي صفحته الشخصية أن الفنان رامي جمال أعلن إصابته بمرض البهاق وكتب البعض علي صفحته معلومات خاطئة عن هذا المرض مما دفع الفنان إعلان اعتزاله ولهذا سارع د. هاني بنقل تمنياته الطيبة بالشفاء العاجل بمشيئة الله مؤكدا ان مرض البهاق ليس معديا وليس خطيرا ولا يوجد به مضاعفات ولكنه مرض مناعي ناتج عن خلل في الجهاز المناعي في صورة نشاط مناعي زائد وان هذا المرض لا يعيق العمل ولا لقاء محبيه وإمتاعهم بأغانيه الجميلة.
ورغم أني غير متابعه جيده للحركة الفنية وخاصة المطربين الجدد وربما توقف نموي الفني بعد أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم عند حدود علي الحجار ومحمد منير ولا أدعي أني أعرف رامي جمال ولم أسمع أغانيه من قبل,لكني لم ولن أقبل تكرار مأساة هيثم أحمد زكي معه أو مع غيره من البشر. فالكلمات كالسهام أذا انطلقت من أقواسها لا حيلة أبدًا في عودتها فما بالكم لو كانت مسمومة وأصابت الهدف.
ولعل د. خالد منتصر حين كتب مقاله عن الاعتزال والتنمر ضد مرضي البهاق كان أكثر تحديدا حين أرجع قرار اعتزال الشاب ليس بسبب لون الجلد ولكن لون قلوب الناس التي صارت سوداء متنمرة, وأوضح أنهم سببوا للشاب ضغطا نفسيا رهيبًا وهذا هو حال كل مرضي البهاق في مصر حتي ان الجيران والمعارف يتجنبون مصافحتهم خوفا من العدوي رغم انه مرض غير معدي علي الأطلاق لكن النظرات المذعورة أو المشفقة أو المتربصة أو المستغربة كلها تجعل مريض البهاق في جحيم مزمن رغم إنه مرض غير خطير ولا يسبب أي إعاقة لكنه مجرد اختلاف في لون الجلد لكن المجتمع هو الذي يصنع هذه النظرية الدونية لمرض البهاق بينما في الغرب يتم احتواء المريض وفهم نفسيته ومحاولة مساعدته علي التحدي وأعطي امثله كثيره لنجوم ونجمات اثبتن أنهن مختلفات لا مريضات مثل عارضة الأزياء العالمية “ويني هارلو” وعارضة الأزياء العربية شهد سلمان.
لماذا يشهد مجتمعنا هذه الوقائع المؤسفة, لماذا يتجمع شباب فرغت عقولهم وقلوبهم من الإنسانية والرحمة ليعتدوا علي شخص وحيد ضعيف من ذوي القدرات الخاصة لا يملك الدفاع عن نفسه, وهي حوادث متكررة مع الأسف, كان أخرها أحد هؤلاء يستوقف شاب كفيف ويأخذ طرفا من قميصه محاولا وضعه في فم كلب, حتي يثير الزعر في قلب الشاب الذي وقف وحيدا لا يملك من أمره شيء ولا يستطيع دفع الأذى.
المؤسف أنها أحداث حدثت وتحدث وستحدث, في غيبه تامه لدراسة إحداثيات المجتمع وما يحدث فيه من متغيرات, تلاشي دور علماء الاجتماع والتربية وعلم النفس, والسبب من وجهة نظري هو خروج التعليم من المدارس إلي الشوارع والمقاهي والتكتاك والورش والأسلحة البيضاء والمخدرات, خرج التنمر إلي الشوارع بعدما زاد معدل الفقر وتوحشت القلوب وأرهقت الأسر خلف لقمة عيش باتت عزيزة صعبة المنال, المجتمع ساد فيه الخلط رغم إن “الحلال بين والحرام بين” ومع ذلك خرجت قرية المواسير بمركز إيتاي البارود لتنهل من خط البنزين المكسور الممتد من الإسكندرية للقاهرة, لم تحسب حساب المخاطر, وقد اجتمع فيها وفينا الجهل والفقر والطمع لينتهي الأمر بمأساة مروعة, مرشحه للتكرار, هكذا تعلمنا في مدارسنا الحكومية المجانية إذا تشابهت المقدمات تشابهت النتائج. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.