إبراهيم نصر يكتب : التربية.. والتعليم

لا شك أننا نعيش أزمة حقيقية فى التعليم العام والخاص على حد سواء، وصار أبناؤنا أسرى “السناتر” والدروس الخصوصية بعد أن صارت المدارس فى معظمها لا تقدم تربية ولا تعليما، وإن كان فبالسلب وليس بلإيجاب.

وليس ذلك وليد سنوات قليلة مضت أو هو نتاج ما سمى بثورة يناير التى كانت وبالا على مصر فى مجالات شتى، وأهمها تراجع القيم والأخلاق، وفى الجملة الإسهام بشكل واضح فى تدهور منظومة التعليم المنهارة من الأساس منذ سفهت الأعمال الدرامية من قيمة المدرس وعملت على تشويه صورته، ثم العبث بالعلاقة بين الطالب والأستاذ، وتجلت هذه المؤامرة على التعليم فى مسرحية مدرسة المشاغبين التى نسفت قيمة الاحترام بين الطالب وأستاذه، وظل التردى ساريا فى التربية والتعليم معا حتى ابتلينا بظواهر مجتمعية ما كنا نعرفها ولا نسمع عنها فى الأولين ولا الآخرين.

ورغم محاولات الإصلاح المتكررة على مستوى الأفراد وبعض مؤسسات المجتمع المدنى، ووزارتى التربية والتعليم، والتعليم العالى.. إلا أن مقاومة الإصلاح كانت شديدة وتيار الفساد والإفساد كانت له الغلبة، وصرنا نترحم على زمن التربية والتعليم الجميل الذى أخذ فى الرحيل منذ أوائل االجامعات.وقد أدركنا شيئا منه وعاصرنا جزءا يسيرا من بداية انهيار التربية والتعليم فى المدارس ثم فى الجامعات.

وإذا كان الهدم رغم سهولته أخذ كل هذه السنوات الطوال، فلا بد أن ندرك أن البناء الصعب ربما يستلزم وقتا أطول من ذلك، وإذا كان السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى عودنا على اختصار الوقت، واعتماد القفز بدلا من السير فى مسيرة الإصلاح، فإننا نتوقع ان عملية إصلاح التعليم تستلزم وقتا طويلا وخاصة إذا كان الهدف هو إصلاح الترية مع التعليم.

وللتأكيد على أن المعلم هو الأساس فى إعادة بناء منظومة التعليم سأروى لكم قصة ربما تكون حقيقية أو من نسج خيال قائلها إلا أنها ذات دلالة قيمة: حضر  مجموعة من الناس حفل زفاف، وشاهد أحد الرجال أستاذه في المراحل الابتدائيه، سلم الطالب على أستاذه بكل تقدير واحترام، ثم قال: هل تتذكرني يا استاذ؟ قال الأستاذ: لا، فقال الطالب: كيف لا وأنا ذاك الطالب الذى سرق ساعة أحد الزملاء في الفصل، وبعد أن أخذ الطالب يبكي، طلبت منا أن نقف لأنه سيتم تفتيشنا، وساعتها أدركت أن أمري سيفتضح فى المدرسة، وسوف أبقى محل سخرية وسوف ينعتوني بالسارق، والحرامي وستتحطم شخصيتي إلى الأبد.

طلبت منا أن نتوجه للحائط وأن نغمض أعيننا تماماً، ثم أخذت تفتش جيوبنا وعندما أتى دورى سحبت الساعة من جيبي وواصلت التفتيش إلى آخر طالب، وبعد أن انتهيت طلبت منا الجلوس، وخفت أن تفضحني أمام الطلاب، وإذا بك تظهر الساعة وتعطيها لصاحبها ولم تَذْكر من هو الذي سرقها، فكان لهذا التصرف أثرا كبيرا فى حياتى.

واستطرد قائلا: طول حياتي الدراسية لم تحدثني ولم تحدث أحدا من المدرسين عني وعن سرقة الساعة، فهل تذكرتني؟ فقال: لا.. كيف لم تذكرني يا أستاذ، وأنا تلميذك وقصتي مؤلمة ولا يمكن أن تنساها أوتنساني؟.. قال: لا أذكرك لأنني فتشتكم جميعاً وأنا مغمض العينين.

أرأيتم كيف كان هذا المدرس مربيا حكيما قبل أن يكون معلما، وكيف كان لتصرفه مع موقف صعب أثر السحر فى شخص التلميذ السارق الذى كان ربما حطمه أى تصرف آخر، وصار عنصرا فاسدا فى المجتمع بدلا من أن يتعلم من خطئه ولا يعود لمثله طوال حياته.

حقا إن التربية تحتاج الحكمة مع إدراك عاقبة الأمور، وإن المعلم هو الأساس فى العملية التعليمية.

Ibrahim.nssr@gmail.com

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.