جيهان عبد الرحمن تكتب : سقط الخط وبقي الرجل ليعترف

فعلها فيلم الممر واعاد الي الروح ذلك الوهج المفقود رغم أن الاحداث في بدايتها توثيق لهزيمة يونيو النكراء 1967 وكيف ارتوت ارض سيناء الغالية بدماء شهدائنا الابرار, وتداعيات قرار الانسحاب غير المدروس, ورغم أن نهاية الفيلم لا توثق لانتصار أكتوبر العظيم 1973 ولكنه أختص عملية نوعيه واحدة خلال حرب الاستنزاف فكان لها ذلك الاثر العظيم, فما بالنا لو تم التركيز علي تفاصيل كشفت عنها كثير من مذكرات قادة حرب أكتوبر, بل ان ثمة أسرار مازالت في الخزائن لم يكشف عنها بعد. ولعل فصل واحد في كتاب يمكنه تقديم “ملحمة” باعتراف الاعداء أنفسهم.

في كتاب التقصير الممنوع من النشر والتداول في اسرائيل والذي كتبه مجموعة من الصحافيين الاسرائيليين كانوا مشاركين في الحرب ما بين مجندين وضباط جمعتهم أهوال الحرب ووثقوا تجربتهم في كتاب ” المحدال ” والذي قام بترجمته مؤسسة الدراسات الفلسطينية, خصص الفصل السادس منه لتفاصيل بناء وسقوط خط بارليف تحت عنوان “سقط الخط وبقي الرجل ” والذي يصلح ان يكون من وجهة نظري عملا دراميا متكاملا في ذاته.

فيه توثيق للحظة بدء عبور قناة السويس وانهيار وتصدع خط التحصينات بتفاصيل دقيقه ليست مجرد مشهد حماسي عابر قدمته السينما في كل افلام محمود ياسين وحسين فهمي والدبابات تعبر والجنود تحمل المعدات وخراطيم المياه تشق الساتر الترابي ليذوب في القناه.

ذلك الخط لم يكن مجرد ثمرة ابداع الجنرال بارليف رئيس اركان الجيش الاسرائيلي, ولكنه تحول بفعل الالة الإعلامية مع الوقت الي رمز عالمي لقوة اسرائيل ومنعتها وهي في الحقيقة غير ذلك, بل ان الخط حسب اعترافات بارليف نفسه ليس له علاقه بتلك الهالة الرمزية لقدرة اسرائيل العسكرية بل أنه لم يكن معد لذلك اصلا.

من المعلومات التي ذكرت بالكتاب أنه لا احد يعرف كيف ولد أسم خط بارليف, فلم يطلق الجيش الاسرائيلي ذلك الاسم رسميا بل لم يكن له وجود علي الاطلاق لكن الاسم ولد فجأة وأستخدمه الرئيس جمال عبد الناصر في خطبه وأصبح رمزا لوضع اسرائيل كقلعة حصينه متأهبة للدفاع عن نفسها ضد جيرانها. وأصبح جزءا كبيرا من الثقة الذاتية التي عمت اسرائيل وقاداتها, وأن مصر لن تستطيع اجتياز هذا العائق الأكبر من نوعه في العالم واستحالة مرور الدبابات من خلاله.

بعد انتهاء الحرب سئل الجنرال بارليف من قبل الصحافيين عن رأيه في تجربة الخط الذي كان يحمل أسمه قال ان الاسم من اختراع الصحافة وأنه رأي بأم عينه الخط مدمرا وفي يد المصريين, كان يحاول ان يتخلص من تسمية الخط باسمه لكن بعد فوات الاوان, طبعا كان هناك ربط بين خط بارليف وخط “ماجينو” الذي اقيم عام 1930 وقت الحرب العالمية الثانية علي طول الحدود بين فرنسا والمانيا, لكن الالمان قاموا بغزو فرنسا عن طريق بلجيكا حيث التف رومل حول خط ماجينيو وهزم الجيش الفرنسي من الخلف بعد أن نامت فرنسا خلف الخط وهي واثقة بانه سيحميها من الالمان.

صحيح مصر لم تفعل مثل رومل وتدور حول الخط لكن الجيش المصري العظيم استطاع العبور وفقد خط بارليف قيمته العسكرية والمادية منذ الساعات الاولي للحرب , وقد انفقت إسرائيل علي بنائه أكثر من مليار شيكل وهو مبلغ ضخم وحدث لإسرائيل ما حدث لفرنسا.

الجنرال بارليف بعد الحرب نشر عدد من المقالات يدافع فيها عن وجهة نظرة قال لم تكن لديهم فرصة لتجربة الخط عسكريا, اعترف ان حرب الاستنزاف قتل فيها مئات من جنود اسرائيل ولهذا ظهرت ضرورة ملحه لتوفير حماية لهم ومن هنا ولدت فكرة خط بارليف حيث كانت التحصينات في البداية عبارة عن حفر ثعالب مغطاة بقضبان حديدية مقوسه تركها الجيش المصري أثناء انسحابه وكانت الاقواس الحديدية مغطاة بأكياس من الرمل وكتل حجاره وبالتدريج بدأت الحفر تتضخم حتي تحولت الي دشم محمية بحواجز رمليه ومسقوفة بقضبان انتزعت من السكة الحديدية المصرية في سيناء تحولت مع الوقت إلي اغلي مساكن اقيمت في الدولة. وفي الاسبوع القادم بأذن الله نكمل التحصينات من الداخل ومليارات اسرائيل الضائعة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.