جيهان عبد الرحمن تكتب : القناع الذهبي

مازال قناع الملك الشاب توت عنخ آمون المصنوع من الذهب الخالص والمطعم بالأحجار الكريمة، الفيروز واللازورد والكوارتز لغزًا محيرًا أمام العلماء خاصة بعدما اكتشف مؤخرا بعد الفحص الدقيق باستخدام أجهزة الكشف الإشعاعي استحالة صنع القناع من قطعة واحدة حيث تبين صنعه من عدة أجزاء تم لحمها بدقة فائقة حتي يصعب ملاحظة وجود أي اثر للحام وكأنها تمت بواسطة أشعة الليزر المستخدمة حديثا كأحد تقنيات اللحام المستحدثة.

لا تملك أمام تلك العظمة والدقة والرقي إلا أن تتحسر علي ما وصلنا له من انهيار وانحدار وعدم إتقان  لكل الحرف بلا استثناء وتتسأل ” وكأنك لا تعلم  ” عن الأسباب وربما نسرف في جلد الذات حسرة علي عظمة الحضارة المصرية القديمة التي لم نتعلم منها ولم نحافظ عليها بالقدر الذي يليق بها وبنا.

لهذا يكون لخبر افتتاح مدرسه للمشغولات الذهبية والمجوهرات ” ايجيبت جولد ” كمدرسة للتكنولوجيا التطبيقية معني كبير وأهمية أكبر، ليس لكونها الأمل في استدراك صناعة هامه كادت أن تندثر، هي وعشرة مدارس تكنولوجيه تطبيقية أخري وفقا لتصريحات الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم في تخصصات مختلفة مثل الصناعة والزراعة والتجارة والفندقة.

صحيح أن التقدم الكبير للنمور الأسيوية وألمانيا والصين والهند  قد اعتمد بالأساس علي التعليم الفني والصناعات المرتبطة بسوق العمل، وصحيح أيضا أن هذا العام شهد إقبال كبير علي الالتحاق بمدارس التعليم الفني مما أدي إلي ارتفاع الحد الأدنى للقبول ببعض تخصصاتها  في مدارس القاهرة ليصل إلي 265  درجه في حين أن القبول بالثانوي العام  210 درجه فقط، ربما كان هذا الإقبال إيمانا بأهمية التعليم الفني خاصة لو ارتبط فعليا بسوق العمل، أو أن ثمة تغييرًا طرأ فجأة علي النظرة الاجتماعية لهذا النوع من التعليم الذي شهد تدهورا كبيرًا وعدم اهتمام رسمي به جعل من يلتحق به إما فاشل لا يستطيع كتابة اسمه بشكل صحيح  حتي بعد حصوله علي شهادة الدبلوم ” الدبلون ”  كما ينطقها العامة أو فقير غير قادر علي مصاريف تعليم الثانوي العام وما يتبعه من دروس خصوصيه تبتلع ميزانية الأسرة، وهذا هو الاحتمال الأكبر للإقبال الكبير علي التعليم الفني هذا العام هربا من الثانوية العامة بوصفها أكبر حقل تجارب للطلاب في بلادنا، لكن وفي كل الأحوال ومهما كانت الأسباب يعد هذا التحول الكبير فرصة عظيمة لجميع الأطراف يجب التعامل معها بكل جدية.

علي الدولة تبني استراتيجيات حديثه واضحة  ثابته لا تتغير بتغير شخص الوزير والإنفاق وفتح أبواب موازنتها بلا تقطير، وعلي قطاع الصناعة ورجال الأعمال التعاون مع الدولة وفتح المصانع للتعليم والتدريب، مع تقديم كافة التسهيلات الممكنة  إنقاذا للاقتصاد القومي بأحياء الصناعات الصغيرة والحرف الوطنية التي فقدت سمعتها ، ويجب أن يتحقق ذلك بالاهتمام بمدارس التكنولوجيا التطبيقية الجديدة مع تطوير التعليم الفني بشكل عام.

عودة العمالة الماهرة المتعلمة  هدف  قومي كبير ليس ببعيد،  اختطفها سليم الأول السلطان  العثماني بعد غزو مصر ونهبها عام1517  وأرسلها إلي إسطنبول  تنفيذا لخطته في أضعاف مصر وتجريدها من العلم والعلماء وتم عزلها عن العالم ويقال ان بعد هذا التاريخ تم اختفاء 50 صنعه علي الأقل ليبدأ بعدها الانحدار الصناعي والتراجع الحضاري.

مدرسة المشغولات الذهبية وأشقائها التسع بداية صحيحه ونقطة ضوء في النفق المظلم، سيخضع الطلاب المقبولين فيها لاختبارات في اللغة العربية والإنجليزية وهي علي غرار المدارس التكنولوجية بألمانيا الاتحادية و التي يحصل طلابها علي الدبلوم ثم العمل خمس سنوات  حتي يستطيع الخريج الحصول علي ترخيص مزاولة المهنة. النموذج المصري تم بالتعاون مع شركة خاصة وهي شركة إيجيبت جولد وفيه سيحصل الطالب علي مكافأة شهرية منذ التحاقه بالمدرسة لجذبه للدراسة والتي سيدرس فيها يومين نظري وأربعة أيام عملي وحسب التصريحات الرسمية اذا كتب لمدرسه الذهب النجاح سيتم التوسع فيه علي كل مستوي كل محافظات مصر أملا في استعادة ما فقدناه علي مر الزمان  ربما نستعيد  الحرف والصناعة المتقنة والعمالة  الماهرة  وربما نصل إلي سر لحام قناع توت عنخ أمون لنبدأ حيث انتهي أجدادنا العظماء .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.