الإعلامية دينا ياسين تكتب: النوايا ليها صوت

الإعلامية دينا ياسين

في رحلة الإنسان مع نفسه، يكتشف أن أعظم ما يملكه ليس ما يظهر للعيون، بل ما يختبئ في الداخل؛ تلك البذور الصغيرة التي نسميها“النوايا”. فالنوايا ليست مجرد رغبات صامتة أو أفكار عابرة… النوايا ليها صوت. صوت قد لا يُسمع بالأذن، لكنه يُترجم في الواقع، ويترك بصمته على مسار الحياة.

النوايا تشبه موج البحر؛ قد تبدو هادئة أحيانًا، مضطربة أحيانًا أخرى، لكنها دائمًا تحمل رسائل. نية نقية واحدة قادرة أن تغير شكل الأيام القادمة، وأن تُعيد رسم حدود ما نعتقد أنه ممكن. بينما نية مشوشة تكفي لتكدير صفو الحياة، وتثبيت صاحبها في دائرة من التعب والارتباك.

صوت النوايا لا يصدر للناس… بل للكون. الكون يستجيب لما نُخفيه، لا لما نُظهره. قد يتحدث الإنسان كثيرًا عن الخير، بينما داخله نية خوف أو رغبة في التملك، فينعكس عليه ما لم يتوقعه. وقد يصمت تمامًا، وفي داخله نية سلام، فيُفتح له باب لم يخطر بباله. هذا هو السر الذي لا ينتبه له الكثيرون: الواقع لا يتشكل بالكلام، بل بالنوايا التي تقف خلف الكلام.

عندما ينوي الإنسان بصدق، تتغير حياته من الداخل إلى الخارج. يصبح أكثر وعيًا بخطواته، أكثر تحديدًا لأهدافه، وأقرب إلى ذاته. النية الصافية ليست مجرد “تفاؤل” بل فعل روحي، حركة داخلية، إعلان غير مرئي بأنك مستعد لتستقبل الأفضل، أو لتترك ما يؤذيك، أو لتعبر إلى مرحلة جديدة.

ولأن النوايا ليها صوت، فهي أيضًا تملك ذاكرة. تتذكر ما زرعناه فيها. تتذكر ما أردناه بصدق وما تراجعنا عنه خوفًا أو ترددًا. لهذا السبب، في كل مرة يعود الإنسان إلى نقطة البداية، يكتشف أن نواياه القديمة تنتظره هناك: إما ليفي بوعده لها، أو ليعيد صياغتها من جديد.

النوايا القوية لا تحتاج مجهودًا خارقًا، لكنها تحتاج صدقًا. تحتاج قلبًا يعرف ماذا يريد، وعقلًا لا يساوم على قيمه. تحتاج إنسانًا يحترم نفسه بما يكفي ليضع نية واضحة، ثم يمشي نحوها بثبات، دون استعجال ودون خوف.

وفي النهاية، يصبح صوت النية هو البوصلة. يوجه صاحبه من دون صخب، يرشده في اللحظات التي يختلط فيها الطريق، ويذكره بأن كل ما يفعله يبدأ بفكرة، ويتشكل بنية، ويتحقق بخطوة. وكلما صفا الصوت الداخلي، صفا الطريق أمامه.
فاختر نيتك… لأن الكون يسمعها. وصف قلبك… لأن صوت النوايا لا يكذب. وضع في داخلك يقينًا أن كل ما يخرج من القلب يعود إليه، وأن أجمل التغييرات تبدأ لحظة يقول الإنسان في داخله: “أنا مستعد… وهذه نيتي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.