تعترف جولدا مائير بنجاح الخداع الاستراتيجى الذى قامت به مصر، عندما تقول:”لكننى لابد ن أعود بالذاكرة أولا إلى شهر مايو، عندما وصلتنا معلومات عن تعزيز القوات المصرية …” وتستكمل:”ولم يرى رجال مخابراتنا أن الحرب قد تندلع” ثم تشرع بالحكى عن ذهابها الى مقر جيش الدفاع ومقابلتها مع وزير الدفاع موشيه دايان ورئيس الاركان ديفيد اليعازر واقتنعت بقدرة جيش الدفاع على الاستعداد لمواجهة احتمالات الحرب الشاملة، وعقب سفر جولدا لأوربا تقول:” اتصل بى يسرائيل جاليلى تليفونيا فى استراسبورج يوم واحد أكتوبر” وتؤكد أن سكرتيرها الشخصى ابلغها أن ديان يرغب فى ابلاغها بضرورة مناقشتها فى أمرهام.
وعند عودتها للكيان تقول:”عقدت اجتماها صباح الاربعاء مع كل من ديان والون وجاليلى وقائد سلاح الطيران ورئيس الاركان ورئيس الابحاث العسكرية فى المخابرات” وتستطرد عن نتيجة هذا الاجتماع:”حشود القوات المصرية وتحركاتها فى الجنوب فهى على الارجح المناورات التى تجرى فى مثل هذا الوقت من العام”.
وبهذا انطلت الخدعة على الصهاينة فى تكرار مصر لمناورات جيشها غرب القناة، واعترفت جولدا فى كتاب مذكراتها ان هيئة أركان جيش الدفاع قد أكدوا لها ان ما يقوم به جيش مصر من مناورات ما هى الا اعمال روتينية.
بل وراحت جولدا فى اعترافاتها الى أبعد من ذلك إذ تقول:”لم يجد احد من المجتمعين ضرورة استدعاء الاحتياطى، ولم يفكر أحد فى أن الحرب وشيكة الوقوع” وهكذا مر اليوم الاول من شهر اكتوبر بتطمينات القيادات العسكرية للقيادة السياسية بعدم خطورة الموقف على الجبهة المصرية، وتم الاتفاق فى هذا الاجتماع على ادراج تلك المناقشة حول الموقف المصرى الى انعقاد مجلس الحكومة يوم الاربعاء الموافق الثالث من اكتوبر.
ومع تأكيدات المخابرات “أمان” و”الشباك” و”الموساد” لجولدا مائير ناحية الجبهة المصرية، فقد قررت ان تسير عاداتها النمطية كما هى دون استثناء يستوجب التغيير فى جدول اعمالها، وتقول:” ذهبت كالعادة الى تل ابيب يوم الخميس، وكانت عادتى لعدة اعوام أن أقضى يومى الخميس والجمعة فى مكتبى فى تل ابيب، وايام السبت فى منزلى فى رامات افيف، ثم أعود الى القدس إما فى مساء السبت أو صباح الاحد ، ولم يكن هناك سبب يدعو الى تغيير عادتى هذا الاسبوع، وكان هذا الاسبوع بالذات قصير لوقوع يوم كيبور(يوم الغفران) فيه مساء الجمعة، وهكذا كانت عطلة نهاية الاسبوع لدى معظم الناس فى اسرائيل كانت طويلة”.
وبهذا تعترف جولدا ان المصريين خدعوا الصهاينة جميعهم بما فيهم هى نفسها فلم تغير من عاداتها، والتزمت بروتين
حياتها الرسمية والاجتماعية، الا ان جولدا تعترف أيضا بعبقرية اختيار المصريين ليوم كيبور لبدء حربهم ضد الصهاينة،
وتأخذ فى شرح وتعريف يوم كيبور واهميته لدى اليهود وما يقومون فيه وما هو محرم عليهم من أعمال، وتقول:”أعتقد
ان هذه الحرب قد جعلت الكثيرين من غير اليهود والذين لم يسمعوا من قبل عن يوم كيبور، يعرفون أنه أكثر ايام
التقويم اليهودى خشوعا وقداسة” وبهذا ترجع اختيار مثل هذا اليوم لبدء الهجوم يعد منتهى الذكاء من الجانب
المصرى الذى عكف على دراسة الشخصية اليهودية وشعائرها وطقوسها وسلوكياتها حتى غير المتينين منهم، فهذا
اليوم يتفق فى طقوسه اليهود المتدينون وغير المتدينين، وتقول:”انه اليوم الوحيد فى السنة الذى يتحد فيه كل
اليهود فى كل انحاء العالم فى نوع من العبادة ولو لم يكونوا من الورعين الاتقياء”.
وتعدد جولدا مظاهر احتفال اليهود المؤمنون الذين يقضون اليوم فى المعبد من مساء اليوم السابق للسبت حتى
مساء يوم السبت، وتقول:”ويقضونه فى المعبد فى الصلاة والاستغفار عن الخطايا التى ارتكبوها خلال العام” أما غير
الملتزمين فيذهبون الى المعبد يستمعون الى نفخ البوق (الشوفار) ايذانا بانتهاء الصيام، وتقول عن اسرائيل فى يوم
كيبور:”وفى اسرائيل فان الحياة تتوقف كلية فى هذا اليوم، فلا توجد بالنسبة لليهود أية صحف أو تليفزيون أو اذاعة،
وتغلق كل المدارس والمحال والمطاعم والمقاهى والمكاتب لمدة أربع وعشرين ساعة” وعن جيش الدفاع تقول:”
لكن اكبر قدر من الجنود يمنحون اجازات لقضاء هذا اليوم فى بيوتهم مع عائلاتهم”.
وبهذا تعترف بدهاء المصريين فى اختيار يوم كيبور لبدء حرب اكتوبر، ونستكمل فى القادم ان شاء الله تفاصيل صباح