جهاد شوقى لسيد تكتب: سفينة نوح.. القنبلة الموقوتة

تظلّ مصر عبر تاريخها الطويل ملجأً آمنًا لكل من ضاقت به السبل في ظل الحروب والاضطرابات التي تشهدها المنطقة، فمنذ أن أعلنت كونداليزا رايس مفهوم “الفوضى الخلّاقة”، أو ما عُرف لاحقًا بـ”الربيع العربي”، وتفجّرت شرارته الأولى في تونس الشقيقة، انتقلت العدوة إلى بقية الدول العربية، دون أن تجني هذه الشعوب حتى هذه اللحظة ثمار تلك الثورات.
وهذا المشهد يعكس حجم المؤامرة التي نُسجت بذكاء للسيطرة على ثروات الشرق الأوسط وتصفيه بعض الحسابات مع روسيا والصين، وكل من تسوّل له نفسه أن يقف في وجه مصلحة أمريكا العظمى، وفي طيّاتها حلم حكماء صهيون وإسرائيل الكبرى. إلا أن الله شاء أن ينقلب كيدهم عليهم، فنجد تلك الدول تغرق اليوم في أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، فكما يقول المثل الشعبي: “طباخ السم لازم يدوق.”
وقد أفرزت لنا هذه الحروب فوضى واسعة كان أبرز نتائجها قضية اللاجئين، والتي أصبحت عبئًا على العالم. فقد طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف موجات النزوح إلى بلاده حتى يتعافى اقتصادها من آثار الحروب التي قادتها في الشرق الأوسط.
ولم يسلم الوطن العربي من نصيبه في هذه القضية ، وكان لمصر نصيب الأسد منها ،وبرزت القضية بشكل أشدّ وضوحًا فمصر كانت ولا تزال وطنًا آمنًا لكل الشعوب. وهي الأرض التي قال عنها النبي يوسف عليه السلام: “ادخلوا مصر آمنين.” وهو وعد بالأمن والسلامة لكل من يلجأ إليها.
وتحتضن مصر اليوم أكثر من 11 مليون لاجئ، إضافة إلى آخرين دخلوا بطرق غير شرعية، وقد فتحت لهم أبواب العمل والاستثمار، فأصبح منهم رجال أعمال مشهورين ومالكو شركات ومطاعم ومؤسسات كبرى، خصوصًا من السوريين والسودانيين.
ولكن كما يوجد الصالح، يوجد أيضًا الطالح والذي أساء للمجتمع والاقتصاد، فتحوّل إلى عبء حقيقي علي كاهل من قدم له كرم الضيافة.
فبدأت الدولة المصرية في السنوات الأخيرة بتقنين أوضاع اللاجئين، ومطالبتهم بإثبات أوضاعهم المالية والاجتماعية، حتى تتمكن من حماية البلاد من المتجاوزين وهذا بعد ان امهلتهم مده امتدت لثلاث سنوات، فاتخذت الدولة إجراءات حاسمة لفصل الصالح من الطالح.
وشملت هذه الإجراءات ترحيل من لا يحمل أوراقًا رسمية ودخل بأساليب غير قانونية، مع رفع رسوم الإقامة لفئات معينة، وهو أمر طبيعي، فالمواطن المصري يتحمل تكلفة الإصلاح الاقتصادي، ويدفع كذلك فاتورة استضافة ملايين اللاجئين. ومن ثمّ أصبح من الضروري أن يتحمل هؤلاء جزءًا من الأعباء، ففي الوطن حقوق وواجبات للجميع دون استثناء.
ومع توتر الأوضاع على الحدود، ولا سيما مع غزة، ورغم الضغوط الأمريكية التي طالبت مصر بفتح باب التهجير، رفضت الدولة هذا الطلب بشكل رسمي وشعبي.
في الوقت ذاته تفاقمت الأزمة في السودان، ما دفع أعدادًا كبيرة للنزوح نحو مصر. ولم تغلق مصر أبوابها، كما فعلت دول أخرى، لكنها واجهت محاولات بعض الجهات إدخال عناصر تخريبية لإحداث فوضى داخلية، وكانت الأجهزة الأمنية لها بالمرصاد.
وفي ظل محاولات البعض تشويه صورة مصر في تعاملها مع ملف اللاجئين، وإنكار الدور الإنساني الكبير الذي قدمته، كان من الطبيعي أن تتحرك الدولة للدفاع عن حقوقها وسيادتها، وإعادة هيكلة القوانين المنظمة لوجود الأجانب على أراضيها.
فهذا الملف يُعدّ قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، وهناك من يسعى لاستغلاله لاستنزاف موارد الدولة، ودفعها إلى صراعات داخلية تهدد استقرارها.
و لكن فكما رست سفينة نوح على الجودي بعد الطوفان، ستظل مصر — بإذن الله — آمنة مستقرة. وذلك لا يتحقق إلا بتكاتف الدولة والمجتمع، وحماية أمنها القومي، والحفاظ على مكتسباتها في وجه كل محاولات العبث والفوضى.