عبد الناصر البنا يكتب: خالد شبانه .. وألم الفراق !!

عبد الناصر البنا

لايوجد قسوة على النفس البشرية أشد من أن تفقد صديقا عزيزا مقربا إلى قلبك على حين غفلة ، خاصة وإن كان هذا الصديق أخا لك فى الله ، هكذا جاء رحيل “خالد شبانه” المفاجىء ، كان شيئا مؤلما أن تستيقظ يوما على خبر وفاة خالد الذى أجمعت الناس كلها على حبه ، وهذه بشرى لقوله ﷺ هَذَا أَثْنَيتُمْ علَيْهِ خَيرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ ، وندعوا الله أن يجعله من أهل الجنة ونعيمها إن شاء الله

حقيقى رحيل خالد شبانه خسارة مابعدها خسارة ، لكن نعزى أنفسنا أن هذا هو قضاء الله وقدره ، رسول الله ﷺ مات ولو كُتب للبشر الخلود لكتب لرسول الله ، والموت هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى هذه الحياة ، وكلنا مصيرنا إلى زوال ، وهى محطات وكل من تأتى محطته ينزل ويفارق ، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۝ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ .. صدق الله العظيم .

لم يكن فى الحسبان أن أجلس يوما ما لـ أمسك بقلمى وأخط به كلمات أنعى فيها صديقى خالد شبانه ، كلمات يمتزج كل حرف منها بدموعى ، إن أصعب مافى الموت فى “المفاجأه” التى لاتعطى لك فرصة وداع من تحب ، والأشد قسوة من ألم الفراق أن يصبح أقصى حلمك أن تعانق من أحببت عناقا صغيرا لعله يروى ظمأ الفراق ، وللأسف .. لا تجده !!

إن أصعب مافى الموت أنه يتركك تعانى لوعة ” الفقد ” ، الفقد بكل معانيه .. فقد الحضور ، الوجوه ، الرائحة ، دفء الأيادى ، الحديث ، صوت الضحك ، الأماكن الفارغة ، الذكريات الجميلة ، وكلها أشياء لايجدى معها البكاء ، رغم علمك أن الموت هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة فى هذه الحياة !!

رحل عن عالمنا خالد شبانه ، ومن عبث الأقدار أن تأتى معرفتى به فى وقت ليس ببعيد ، وقد جمعتنا إحدى لجان التطوير فى مبنى الإذاعة والتليفزيون ، ويبدو أنه كانت بيننا ” كيمياء ” مشتركة ، جعلتنا لانكف عن الكلام وتبادل النكات والقفشات ، والشد والجذب ، والإتفاق والإختلاف ، والضحك حتى فى أصعب المواقف ، كان إنسانا جميلا بكل ماتحمله الكلمة من معانى ، جميلا فى خلقه وأخلاقه ، جميلا فى مهنيته وإحترافه ، وفى إدارته وفى حبه لعمله ، كان نموذجا للشخص الناجح الذى أكمل الله فى كل شىء ، ولذلك فأنا أعتقد أنه نجح فى الإختبار مبكرا ، فإختاره الله بحوله وقوته إلى جواره مع عباده الصالحين ، وهذه قناعتى التى تكونت بعد رحيله المفاجىء .

الموت كأس وكل الناس شاربه والقبر دار وكل الناس داخله ، كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ، عبث هى الأقدار ، التى تعطى لنا نشوة الحياة وماتلبث أن تقطفها ، حقيقى لا أدى كيف أرثيك ياصديقى وقد تاهت منى كل مفردات الكلام ، وتحجر القلم وإحتار العقل أن يستوعب رحيلك المفاجىء .

بالأمس القريب جمعنا لقاء فى حفل تسليم جوائز المهرجان المصري الأمريكي للسينما والفنون على خشبة مسرح الإبداع الفنى بدار الأوبرا المصرية ، وعلى الرغم من وجود عددكبير من نجوم الفن المكرمين والنقاد والكتاب ؛ ووجود العديد من القنوات التى تنقل الحدث ، إلا أننا تركنا كل هذا الزخم وجلسنا لوقت طويل نستعيد الذكريات الجميلة التى جمعتنا ، وقتها لم أكن أعلم أنه اللقاء الأخير بيننا ، وأنه أصر على أن يودعنى بطريقته الخاصة ، ويوقظ ذكريات مضت خشية أن تضيع منى فى زحمة الحياة .. كم أنت جميل ياخالد !!

والله أنى شعرت بروح خالد ترفرف علينا فى جنازته المهيبة التى جمعت كل أطياف الشعب المصرى فى جامع عمر مكرم ، وأعتقد أنها من المرات القليلة التى تجد فيها هذا الكم الهائل من الناس الذين أتوا لوداع ميت ، كل من جلست معه كان يذكر محاسنه ويثنى عليه وعلى أخلاقه ، وتلك شهادة كبيرة عند الله ، وعلامة من علامات الرضا والفوز ، أللهم إرحم نفسا ذكية إنتقلت إلى جوارك ، وإرحمنا إذا صرنا إلى ماصارت إليه ،

أما الكلمات التى قيلت فى وداع خالد شبانة على وسائل التواصل فعبرت بصدق عما يستحقه هذا الرجل ، وقد نعاه أخوه الإعلامى محمد شبانة بكلمات مؤثرة جاء فيها : لا أكتب عن خالد شبانة كونه قيمة إعلامية متميزة أسهمت بشكل كبير فى تطوير العمل بقنوات النيل المتخصصة ، ولكنى أكتب عن خالد الإنسان الذى حباه الله بحسن الخلق ومحبة واحترام الناس وكل من تعامل معه .

خالد الضاحك البشوش الذى لم يعبس فى وجه أحد حتى فى أشد الأزمات ، ليس بالعمر فقط ، وإنما بأخلاقه ، كبيرًا بروحه الطاهرة ، كبيرًا بإتقانه لكل ما يفعله ، وكبيرًا بمحبة الناس له . كان وجوده دائمًا مُطمئنًا ، فأصبح غيابه الآن وجعًا لا يشبه أى وجع .

كان خالد هو الميزان الذي تستقيم به الأيام ، واليد التى تُهَوِّن الشدائد ، والوجه الذى يملأ البيت رحمةً ووقارًا . رحل أخى ، وصار الفراغ حولى أكبر من احتمالى ، وصار الحزن ثقيلًا على القلب والذاكرة . أبحث عنه في تفاصيل الأيام ، فى صوته ، في خطواته ، فى نصائحه التى طالما بعثت الطمأنينة في روحى .

ما زلت غير قادر على استيعاب أن الدنيا تمضى من دون حضوره. والله لو علمت أن رحيلك سيترك هذا الثقب في قلبى ، لتمنيت الرحيل قبلك حتى لا أتذوق مرارة فراقك . لا أملك الآن سوى الدعاء ، أن يتغمدك الله برحمته ، ويجعل قبرك نورًا وسكينة ، ويجمعنا بك في جنات الخلد

وأختتم كلامى وأنا أكتب إليك ، وصورتك ماثلة أمام عينى تقرأ معى كل حروف الكلمات التى أخطها . ولكنى فى النهاية أقول لك : كل أمر فى أوله جلل ثم يهون ، إلا الموت وإن بدا هينا لايهون ..

” يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِى فِى عِبَادِى وَادْخُلِى جَنَّتِى ”

رحم الله الأخ والصديق خالد شبانه برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.