يستهل عبد القادر السعدنى فى مقدمة الكتاب المترجم “اعترافات جولدا مائير” أو “حياتى” عام 1975:”..ولن يقتصر هذا الصراع على الحكومات لكنه سيوجه بالدرجة الأولى إلى الشعوب، وستكون مراحله محاولة قهرها فكريا ثم غزوها ثقافيا فإقتصاديا”.. ويستطرد”..فإن من الأهمية القصوى أن تنشط مراكز البحث المتخصصة والمثقفون لدراسة الفكر الصهيونى دراسة دقيقة، والكشف عن مخططاته فى مرحلة ما بعد السلام حتى لا نفاجأ بها، كما فوجئنا بإعلان دولة اسرائيل عام 1948″
لذا سريعا نترك اللوم من بداياته 1975 وامتداده حتى الآن، ونتعجل عرض اعترافات رئيسة وزراء الكيان وخاصة فى الفصل المخصص للهزيمة وهو الفصل الرابع عشر الذى جاء فى تسع وثلاثين صفحة، ناهيك عزيزى القارىء عن الاعترافات الصريحة بعدم أحقيتهم “الصهاينة” فى أرض فلسطين العربية، وذلك عندما تقول وتكتب جولدا:” .. كنت أعرف أن كلارا ـ أخت جولدا ـ لن تأتى إلى فلسطين ، قبل قيام اسرائيل، لشعورها أنها تنتمى إلى الولايات المتحدة الامريكية، أما فريد ـ زوج كلارا ـ فقد أوضح لى أنه يرفض كل أشكال المقومات ـ يقصد الدينية ـ وأنه ينظر إلى الصهيونية على أنها حركة رجعية إلى أبعد الحدود” … وإذا كان ذلك هو إعتراف أسرة جولدا برفضهم المجىء من أمريكا التى استقروا بها بعد هجرتهم من وطنهم “كييف” وكذلك اعترفت برأى زوجها فريد الذى أنكر على الصهيونية الاستيلاء على فلسطين، وذلك عندما تقول:” … أما الحكم الذاتى القومى فلم يكن يستثيره، ولم يكن يعتقد أن دولة ذات سيادة يمكن أن تخدم اليهود”.. بل إن جولدا ذاتها تعترف أنها جاءت إلى فلسطين قبل قيام اسرائيل، أى قبل ان يسلب الصهاينة الوطن الفلسطينى من أصحابه الحقيقيين، والأبعد غرابة إلى حد اللامنطق أن جولدا تنسب كلا من بن جورين واسحق بن زيفى إلى فلسطين وتقول:”انهما من الفلسطينيين”.
ونبدأ فى استعراض اعترافات جولدا من خلال كتابها، وبالأخص الفصل الرابع عشر منه، والذى يكفينا اعترافا منها بحقيقة نصر أكتوبر وهزيمة كيبور أنها قد أسمت وعنونت هذا الفصل بـ “الهزيمة” وتلك مفردة دالة على حقيقة لا تحتاج إلى تأويل أو إعادة شرح أو إلصاقها بصفات لمفردات أخرى حتى يتضح معناها، فهى كما قالتها وكتبتها جولدا مائير رئيس وزراء الكيان والقائد الاعلى لجيش الدفاع “الهزيمة”.
ويكفينا أنها اختارت عنوان اعترافاتها عن حرب اكتوبر بالـ “الهزيمة” فتلك مفردة وحدها تكفى للترويج الحقيقى
والصادق عما حدث للكيان وجيشه وشعبه عقب حرب المصريين وانتصار اكتوبر.
وتفتتح فصلها قائلة:”ليس اشق على نفسى فى الكتابة من بين كل الموضوعات التى كتبت عنها فى هذا الكتاب
قدر أن أكتب عن حرب اكتوبر (تشرين الأول) 1973 حرب يوم كيبور”.
ومن بين الخمسة عشر فصلا بكتاب الاعترافات ترى جولدا أن الكتابة عن هزيمة كيبور هى الأهم..لأنها الأقسى على
نفسها وطاقتها.
وتستطرد:”لكنها حدثت، ومن هنا فلابد أن أكتب عنها، لا من الناحية العسكرية، فذلك أمر أتركه للآخرين، وإنما ككارثة
ساحقة، وككابوس عشته بنفسى، وسيظل باقيا معى على الدوام” .
للتاريخ ليس الماضى بل وللقادم من الأزمنة، على الجميع أن يردد ما قالته رئيسة وزراء الكيان فى كتابها الاعترافات
وفى افتتاحية فصلها المخصص للـ “الهزيمة” فقد وصفت الهزيمة، هزيمتهم بأنها كابوس، وكارثة ساحقة، ولا يملك
حتى الكذبّة المحترفين من التلاعب بصحيح هذا الاعتراف، أو تشويه معناه الجلىّ عن هزيمة ساحقة كارثية لجيش
الدفاع وكيانه وشعبه.
وتصف حال دولتها عقب عبور المصريين:” فقد وجدت نفسى فى موقف كنت فى قمة المسئولية، فى الوقت الذى
واجهت فيه الدولة أكبر خطر عرفته”.
لا مجال للتشكيك فى اعتراف جولدا أن حرب أكتوبر كانت أكبر خطر يواجه دولتها، ولم يكن الخطر الأكبر يحدق بدولتها
فقط، بل قالت إنها شخصيا تعرضت لهذا الخطر، فقالت:” ومازال هناك حتى على الصعيد الشخصى الكثير مما لا
يمكن قوله الأن، ولذا ما سأقوله ليس كل شىء، لكنه الحقيقة”.
ولاشك أن حديث جولدا ـ لنا ـ يشنف الآذان ويطرب القلوب، فنحن وإن رضينا بأن نصر المصريين ككابوس عليها ـ
شخصيا ـ وبخطره الأكبر على كيانها،وبكارثيته على جيشها، فقد علمنا منها اعترافا يؤكد أن هذا ليس كل شىء من
الحقيقة، بل جزء يسيرا منها تسمح لها نفسيتها المحطمة، ومركزها كرئيسة وزراء بأن تبوح ببعض من الحقيقة وهى
“الهزيمة” وسيأتى فى القادم ان شاء الله سردا لتفاصيل اعترافاتها عن حقيقة هزيمة كيبور ونصر أكتوبر.