الكاتي الصحفي عبدالرازق توفيق يكتب : نطرح الأسباب والتشخيص لكن تغيب عنا الحلول
المواجهة المطلوبة 1-2

نتحدث كثيرًا كنخب وكتاب ومفكرين عن بعض الظواهر السلبية التى يشهدها المجتمع خلال السنوات الأخيرة منذ فوضى يناير 2011 نناقش أسبابها وما أدى إليها، وكيف وصل البعض إلى هذا التوحش والإجرام والانتهازية، من إرهاب وتطرف وعنف وجشع ومغالاة واحتكار وفساد الضمائر وجرائم قتل شديدة الوطأة والقسوة، وانتهاك جسدى لأطفال فى عمر الزهور، وما تشهده بعض المدارس من تجاوزات وممارسات غريبة وشاذة شكلت صدمة للجميع، جاءت كمحصلة لتطورها فى وسائل التواصل الاجتماعى وما يدور فى الفضاء الإلكترونى من استباحة فكرية وجسدية معظمها موجه، فى إطار الحرب على العقول، وتدمير الهوية الوطنية، والسيطرة على إرادة الشعوب وتحريكها وتحريضها نحو التدمير والتخريب وهدم الأوطان والثوابت، كما أن تداعيات الصراعات الدامية وحروب الإبادة، والأزمات العاتية التى شهدها العالم ومازال حتى بات القتل والذبح، الذى يستهدف الأطفال والنساء وعرض مشاهد القتل والدم، مشاهد مألوفة ومعتادة يراها الأطفال فى النشرات، وعلى وسائل التواصل، الكثيرون يتحدثون وينظرون، ويتناقشون حول أسباب ذلك ومهما تعددت هذه الأسباب فأنها جميعًا ساهمت فيما تشهده المجتمعات من نذر الخطر الداهم، لكن الأمر المهم أن نجتهد جميعًا، فى طرح الحلول والرؤى والأفكار التى تساعد فى تخفيف هذه السلوكيات والممارسات حتى لاتتفشى أكثر وتتحول إلى ظاهرة تحتاج إلى برامج واقعية قابلة للتنفيذ، لا نطرحها كعناوين براقة ولكنها تخضع لآليات تنفيذ وبارادة صلبة بدأب وصبر وتقييم متواصل تحتاج إلى تطوير واصلاح كل ما يتعرض له أبناؤنا وأطفالنا ونبنى أجيالاً أكثر تسامحًا وإنسانية، وارتباطًا بالقيم والأخلاق والهوية الوطنية المصرية.
قضية حصر الأسباب لتفسير ما يحدث، وتشخيصه بشكل جيد، أمر مهم وضروري، ويكاد يكون متاحًا سواء ما رأيناه من عقود ماضية، وفوضى عاتية ومتغيرات عصر مختلف يجب أن نعيش معه بحسابات دقيقة تتلاءم مع طبيعة مجتمعاتنا نأخذ منها ما يتوافق معه ونلفط ما يتعارض معه ربما مسألة الإغلاق والخوف لمضامين وسائل التواصل، تكاد تكون بعيدة المنال رغم أن هناك دولاً أقدمت على ذلك، وأخرى حددت شروطًا للتعرض لهذه المضامين، ووضع سن معينة للشخص من خلال وسائل وآليات حديثة، لكن الأهم والأفضل نبنى الإنسان بشكل صحيح منذ صغره وطفولته، ونقوى مناعته ضد الأفكار السلبية والهدامة والسلوكيات الشاذة وعدم التأثر بثقافات لا تناسبنا، الرئيس عبدالفتاح السيسى تحدث عن أهمية قيام مؤسسات التربية والسلوك والتنوير بدورها الحقيقى بشكل فاعل، فالأسرة لابد أن تعود لدورها فى تربية الأبناء وفتح آفاق الحوار والاحتضان، وعدم اهمال هذا الدور الذى يعد اللبنة الأولى فى بناء الشخصية السوية الواعية المتفتحة التى لاتعرف إلا الأخلاق والتسامح والعطاء، وترث خطوطًا حمراء لايمكن تجاوزها، مثل الكذب، والعنف، والسرقة والحلال، والإنسانية، والرقي، لكن ربما وقبل وأن نطالب الأسرة بأداء دورها، ماذا يشغل هذه الأسرة وماذا تجد من أعباء وهل لديها الوقت والجهد الكافى لأداء هذا الدور، ففى معظم الأسر، نجد أن الاب والأم يعملان، ويكابدان من أجل توفير متطلبات الحياة للأبناء وسط صعوبات جمة، ولعل حديث الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء عن ا لطبقة المتوسطة فتح أبواب الحديث حول هذه القضية وما تحملته هذه الطبقة خلال السنوات الماضية من تحمل تداعيات الأزمات الإقليمية والدولية وعملية الاصلاح وارتفاع الأسعار، ومتطلبات الحياة، وهى الطبقة التى فى الأساس تستثمر فى تربية وتعليم أبنائها وهى نواة وعماد وحجر الاساس فى المجتمع، لم يعد لديها الوقت لتربية الأبناء بالشكل المطلوب سواء على صعيد الوقت أو الجهد، أو القدرة المالية التى تستطيع من خلالها توفير أسباب الإعداد والتأهيل والتربية والتعليم المناسب للأبناء، فالسواد الأعظم من المصريين هم أبناء الطبقة المتوسطة، والسواد الأعظم من الرموز الوطنية والنخب المصرية فى كافة المجالات، هم أبناء الطبقة المتوسطة، اتاحت لهم أسرهم فرصًا جيدة للتعليم، وضحت من أجل هذا الهدف واستثمرت فى تربيتهم، وساعدت فى ذلك أسر الطبقة المتوسطة القوى الناعمة المصرية من فنون وأفلام ومسلسلات ومسرحيات وبرامج، ومضامين هادفة، شكلت وجدانهم، وأثارت بداخلهم الطموح والكفاح ولم تغرس فيهم تطلعات غير موجودة صعبة المنال مثلما تصور معظم الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية وكأن الحياة أو المجتمع لا يعرف إلا القصور والفيلات والسيارات الفارهة «والحب ولع فى الذرة» أو البلطجة والعنف والمخدرات حيث كان مجرد جلوس أحد من أبناء الطبقة بجوار شخص يدخن السيجارة جريمة، الآن الاب والابن يدخنان معا، وربما أكثر من ذلك، كان ابن الحارة أو الجار يغار ويدافع عن بنت حتته ولا يمكن أن يعاكسها أو يتحرش بها، كانت الجدعنة والفروسية وقصص وحكايات الكفاح والنضال من أجل العيش الكريم والقرش الحلال، كانت القناعة ومظاهر الشكر والحمد تعم، كان الجار يسأل عن جاره ويتشاركان الحياة فهذا طبق ارز بلبن أو طبق عاشوراء، أو كحك وبسكويت العيد من بيت فلان إلى بيوت الجيران، كان الجميع، يحترمون الجلباب الصعيدى والفلاحى الذى يريدون منعه من دخول المتحف الكبير، ومواقع أخري، رغم أن أجداد الصعايدة هم من صنعوا وشيدوا هذه الحضارة العظيمة، والجلباب أو الجلابية، هى جزء من الهوية المصرية، والحقيقة أن لدينا أخطاء تكمن فى غياب الرقابة أو التشخيص الدقيق وسبل وروشتة العلاج فالأسر التى تنتمى إلى الطبقة المتوسطة تحتاج إلى مشروع قومى لإعادة والاعتبار والقيمة بل والحياة لها ليس مشروعًا اقتصاديًا فحسب، ولكن مشروع فكرى وثقافى وفني، حتى الفنون الشعبية تظهر فقط فى المناسباب والمهرجانات رغم أنها تروى تاريخنا وطغت حفلات المهرجانات والابتذال والسلاسل على الصدور.. المطرب داخل عريان الصدر يتغنى ويفاخر بالابتذال وكأنه يشارك فى مشروع خبيث لهدم قوانا الناعمة وقيمنا واخلاقنا، ومطرب آخر، طالع يغنى «بالشورت» أو ملابس أشبه بملابس النساء، والسؤال لماذا لم نتصدى لهذه الممارسات، والسلوكيات، فى الماضى كان الناس يذهبون بالبدل للحفلات، والمطرب أو المطربة فى منتهى الشياكة والاناقة التى تعبر عن الذوق المصرى واحترام الجمهور، لماذا سممنا بالابتذال والتدنى والمهرجانات والعري، هذه ليست حرية على الاطلاق، إنها تدمير للأخلاق والهوية، ومنعها والتصدى لها عامل مهم فى الحفاظ على هذه المبادىء، وحسن تربية الأجيال والشباب الذين يجب ربطهم بهويتهم وأصولهم ومنظومة القيم والأخلاق الراسخة فى وطنهم.
تحيا مصر