” إطعن دهشتك ” .. قصة قصيرة للإعلامي محمود عبد السلام

أطعن هذه الدهشة في مقتل، لا تدع لها فرصة للنجاة، استبح دمها، أرقه على قارعة الطريق المؤدي إلى الماضي. لا تدع الأغاني عذبة اللحن منمقة الكلام تأخذك مع تيارها المتجه دومًا نحو البكاء. تمالك نفسك، لا تفزع من ركام المكان. كل القصور المشيدة تنتهي إلى الهباء، وكل السحاب مصيره إلى ماء، وكل سماء مصيرها إلى ليل ، وكل الزهور والطيور والأمطار والأشجار مصيرها محتوم.
هذا الجرس الذي يطن في أذنك ليس لإعلان انتهاء حصتك المدرسية. لا تفرح إنك تعدو نحو الفناء، تصنع دوائرك الخاصة حول العلم المثقوب من المنتصف، يدخله الهواء والخواء فيصير علمًا باهت الألوان.
حافلة الرحلة تتحرك مبكرًا قبل صياح الديك. لن تنم هذه الليلة. أصدقاؤك ينتظرونك في حللهم المدرسية قبالة النهر السائر نحو البحر ببطء في موكبه الجنائزي. اذهب معهم إلى رحلتك الأخيرة والتقط معهم ما شئت من الصور التذكارية. ضع يدك فوق أيديهم وردد القسم الطفولي البريء.
الآن، بعد أن عدت من الرحلة، هرمت. ترى كم مضى من الوقت؟ سنة، اثنان ثلاثة، أربعة، خمسة بعد المئة. هل تعبت من العد؟ أم أرهقك خيالك العنيد ؟ توضأ بالرياحين وارتدي ملابسك البيضاء الناصعة، وضع غمامة على عينك وأرهف السمع: “سنلقي عليك قولًا ثقيلًا”. واخرج قلبك من صدرك، ضعه بين يديك أمامك لعله يضيء عتمة هذا المكان الضيق، وجاوب بصدق إذا سألت.
ثم تُنْسى (تُنْسى، كأنك لم تكن خبرًا، ولا أثرًا.. وتُنْسى أنا للطريق.. هناك من تمشي خطاه على خطايَ، ومن سيتبعني إلى رؤيايَ).
ساعد نفسك واقتل دهشتك إذا تغيرت الأيام وذهبت الأحلام وبقي من ذكرى الوقت حطام.