محمد يوسف العزيزي يكتب : نتنياهو وآبي أحمد.. أزمة حكّام ومحاولة إشغال مصر!
في المشهد السياسي المضطرب الذي تمر فيه المنطقة يظهر نتنياهو وآبي أحمد وكأنهما يتحركان بأسلوب واحد وبتنسيق غير معلن، فكل منهما يواجه أزمة داخلية خانقة ويحاول الهروب منها عبر خلق عدو خارجي يشغل الرأي العام ويجمع الأنصار حوله، ورغم اختلاف الظروف والملفات، إلا أن النتيجة واحدة: اتهامات جاهزة لمصر، وتوجيه أصابع اللوم نحوها كلما ضاقت الأوضاع داخل تل أبيب أو أديس أبابا!
إثيوبيا لم تتوقف عن توجيه الاتهامات لمصر بشأن سد النهضة. ومع كل إخفاق في تشغيل السد أو عجز في تحقيق الوعود التي أطلقها آبي أحمد لشعبه، يظهر خطاب جديد يتحدث عن ” تعنت مصري” أو “رغبة في السيطرة على النيل “ ثم يتطور الأمر إلى وصف مصر بالدولة الاستعمارية، في محاولة لإثارة النزعة القومية والعاطفة الشعبوية لدى الداخل الإثيوبي، وكأن النيل الأزرق نهر إثيوبي خالص لا يخضع لقواعد القانون الدولي!
كل هذا يأتي في وقت يواجه فيه آبي أحمد انتقادات واسعة بسبب الحرب مع التيجراي، واتهامات بارتكاب جرائم حرب، وتزايد التوتر في القرن الأفريقي، إضافة إلى سعيه المستمر لخلق مبرر يعطيه موطئ قدم في منفذ على البحر الأحمر.
أما نتنياهو فهو لا يتوقف عن البحث عن معركة جديدة تبعد عنه شبح المحاسبة الداخلية، وهو يدرك أن وضعه السياسي هش، وأن ملفات الفساد التي تلاحقه لا تزال مفتوحة.. لذلك عاد مؤخرًا لطرح فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، في خطوة تعكس رغبة واضحة في الهروب للأمام، وفي تعطيل أي مبادرة سلام يمكن أن تفتح بابًا لحل سياسي شامل.. وهو يعرف جيدًا أن مصر ترفض هذه الفكرة بشكل قاطع وأنها كانت — وما زالت — السدّ المنيع أمام أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية أو تغيير خريطتها الديموغرافية بالقوة.
ومع ذلك مصر وهي تتعرض لهذه الحملات سواء من تل أبيب أو أديس أبابا، لا تتحرك برد فعل عاطفي أو عشوائي..
بل وفق رؤية واضحة وثابتة.. ففي القضية الفلسطينية تلعب القاهرة دورًا محوريًا لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه من أي
أحد.. فهي التي تدير خطوط التواصل بين الأطراف، وهي التي تحافظ على خيط المفاوضات مهما كان المشهد معقدا
ومرتبكا، وهي التي تمنع أي مخطط لتفريغ غزة من سكانها تصريحا وتلميحا وتلويحا بموقفها الثابت: الأرض لأهلها،
والحقوق لا تُشترى بالحصار ولا بالقوة، والحلول تأتي عبر مفاوضات عادلة تضمن الأمن للجميع.
وفي أفريقيا، تتحرك مصر بثبات أكبر مما يتخيله آبي أحمد فالدولة المصرية توسع شراكاتها مع دول القرن الأفريقي،
وتدعم الاستقرار في السودان وجنوب السودان والصومال، وتشارك في مشروعات تنموية تعزز نفوذها التاريخي في
القارة.
وهذا الدور النشط يقلق الحكومة الإثيوبية لأنه يكشف أن سياسة فرض الأمر الواقع التي حاولت إثيوبيا اتباعها في
ملف السد لم تعد مقبولة ولا ممكنة، وأن مصر التي تحافظ على مصالحها عبر الحوار والقانون الدولي تعمل في الوقت
ذاته على منع تحول إثيوبيا إلى قوة مهدِّدة لجيرانها أو لطريق التجارة في البحر الأحمر.
ولذلك قد يبدو أن التنسيق غير المعلن بين نتنياهو وآبي أحمد ليس سوى محاولة لخلق ضغوط سياسية على مصر،
وإرباك تحركاتها في القضية الفلسطينية وفي القارة الأفريقية!
لكن الواقع يقول إن مصر ليست الدولة التي يمكن دفعها إلى الزاوية بسهولة، فثبات موقفها في غزة يقطع الطريق
على مخططات التهجير، وامتداد حضورها في أفريقيا يحد من أي محاولة لفرض النفوذ الإثيوبي بالقوة أو بالمناورات.
في النهاية تظل الحقيقة واضحة: مصر ليست جزءًا من أزمة الكيان أو أزمة أثيوبيا، لكنها في نظرهما العائق الذي يقف
أمام مشروعات الهروب إلى الأمام سواء في الشرق الأوسط أو في القرن الأفريقي. ومهما تعددت محاولات التلاعب
والابتزاز، ستبقى مصر قوة توازن، وصوتًا للعقل وركيزة للاستقرار في محيطها.