الدكتور علاء رزق يكتب: أواصر الحرية الإقتصادية (١)

الدكتور علاء رزق

يسعى الإقتصاد المصرى حالياً بعد سيل الأزمات العالمية والإقليمية، إلى ضمان تحقيق عملية التنمية المستدامة والعدالة الإجتماعية ،والتى يقع فى القلب منها رفع مستوى المعيشة للمواطن المصرى. فما بين جهود الإصلاح ومحاولات إستعادة الثقة، يقف الواقع الحياتى للمواطنين كإختبار حقيقى لنجاح السياسات الاقتصادية وانعكاسها على مستوى معيشتهم. ويجب أن نعلم أن مؤشر مستوى المعيشة هو مقياس لتقييم جودة الحياة والرفاهية للمواطنيين ، بما يتضمنه من مجموعة متنوعة من العوامل التي يتم أخذها في الإعتبار منها المؤشرات الاقتصادية كالناتج المحلي الإجمالي للفرد،معدلات التضخم والبطالة، ومؤشرات الصحة والتعليم،واللبنية التحتية، وقد كشف مؤشر “نومبيو”، عن ترتيب الدول العربية من حيث تكلفة المعيشة لعام 2025. فالإمارات إحتلت أعلى تكلفة معيشة، سواء على مستوى الفرد أو الأسرة، تتبعها اليمن التي تعاني من الحرب المستمرة منذ عام 2014. في حين حلت مصر، في المرتبة الأخيرة، بإعتبارها الدولة الأقل تكلفة من حيث المعيشة الشهرية بين الدول العربية. ويجب أن ندرك بأن ارتفاع الدخل لا يعني بالضرورة جودة حياة أفضل إذ تخضع الدول لتقييم شامل يأخذ في الإعتبار عوامل جوهرية مثل مستوى الرعاية الصحية وجودة التعليم وتكاليف المعيشة، وبالتالي فإن مؤشر نوعية الحياة لعام 2025 يؤكد بأن جودة المعيشة أصبحت نتاج منظومة شاملة تتجاوز معيار الدخل لتشمل عوامل إقتصادية وخدمية متكاملة، وأن الدول التي تجمع بين البنية القوية والرعاية المتطورة وتكاليف المعيشة المتوازنة هي التي تتصدر هذا السباق العالمي نحو أفضل حياة ممكنة لشعوبها.

لذا جاء إهتمام وتأكيد الرئيس السيسى عقب حضوره إختبارات كشف الهيئة للطلبة المتقدمين للإلتحاق بالأكاديمية العسكرية المصرية والكليات العسكرية، بأن عملية التطوير في الدولة مستمرة وأن الدولة لديها برنامج تنمية شامل من أجل تحقيق التقدم والمساهمة في القضاء على البطالة،وأن الدولة ماضية في سبيل تحقيق عملية الإكتفاء الذاتي ودخول4,5 مليون فدان إلى مجمل مساحة الأراضي المزروعة في مصر حالياً والتي تبلغ 9 ملايين فدان. وهو تأكيد مباشر لتوجيهات الرئيس السيسى السابقة بضرورة تقوية مؤشرات الحرية الإقتصادية كى تلعب دوراً محورياً في تقييم بيئة الأعمال والإستثمار، لأنها توفر أدوات معيارية لفهم مدى إنفتاح الإقتصاد الوطني، كفاءة نظمه المؤسسية، وقدرته على خلق بيئة داعمة للنمو المستدام. وذلك عبر أربعة محاور رئيسية، تغطي سيادة القانون، لأنه من خلال قراءة النماذج الدولية فإن ضعف سيادة القانون يؤدي إلى تضخم البيروقراطية، حيث تزداد الحاجة إلى “تسهيلات غير رسمية” لعبور الإجراءات.وهروب الإستثمارات الأجنبية، مع عزوف المستثمرين المحليين عن التوسع أو تأسيس أعمال جديدة. والنتيجة هى إنخفاض معدلات النمو الاقتصادي كنتيجة تقلص الإبتكار وتراجع الإنتاجية. أما عن حجم الحكومة، فهو يتناول عبء الضرائب، والإنفاق الحكومي، والصحة المالية، فكلما كانت الضرائب أقل، والإنفاق منضبطا، والمالية العامة مستدامة، كلما ارتفعت الحرية الاقتصادية.أما الكفاءة التنظيمية فهى تركز على سهولة ممارسة الأعمال داخل الدولة، من خلال حرية الأعمال، وحرية العمل، والحرية النقدية،وأخيراً يأتى إنفتاح الأسواق والمتضمن لحرية التجارة والإستثمار وحرية القطاع المالى.ومن ثم فإن ما تم من إصلاحات وانجازات إستهدف بالاساس زيادة مؤشرات الحرية الإقتصادية سواء عبر إيقاف إستنزاف الدولة فى مختلف القطاعات وتثبيت أركانها، أو وضع الأسس الضرورية لإحداث إنطلاقة اقتصادية، واجتماعية. وأعتقد أن البرلمان القادم مع الحكومة عليهما التحرك بشكل مدروس دون إبطاء لزيادة وزن مؤشر الحرية الاقتصادية عبر تفعيل تطبيق القوانين،وإيجاد الأطر التشريعية المناسبة، وهو ما سينعكس بالايجاب على فعالية القضاء،وثقة المستثمرين. كذلك فإن البرلمان القادم بما يمتلكه من صلاحيات قوية يجب أن يواجه البيروقراطية الإدارية، والتى قد تتعلق بتعقيد وتأخير الإجراءات. كذلك يجب العمل على تقوية مرونة سوق العمل ،برفع القيود التنظيمية التى تحد من قدرة المؤسسات على التكيف مع متغيرات السوق.وأخيراً تدعيم الإستدامة المالية، بتقليل الإعتماد على التمويل بالدين العام، والسيطرة الفعالة على العجز المالي.

نعم مصر أمام فرصة حقيقية لكتابة فصل إقتصادى جديد، عنوانه تدعيم أواصر الحرية الإقتصادية والتى إزدادت بإصرار القيادة السياسية على بلوغها ، وإصرار الشعب على إستقرارها، بعد أن أكدت الأحداث الأخيرة التى شهدتها الخريطة السياسية والإقتصادية العالمية صواب رؤية الدولة المصرية وقياداتها، وأن مكانتها، وثقلها وريادتها باقية ببقاء الإنسانية.وللحديث بقية إن شاء الله.

كاتب المقال رئيس المنتدى

الإستراتيجي للتنمية والسلام 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.