جهاد شوقى السيد تكتب: الصبر.. مفتاح النجاة

يعَدُّ الصبر من أجلِّ وأعظم العبادات التي يختبر الله بها عباده، فهو باب من أبواب الجنة، ومفتاح لرضا الله تعالى، وثوابُه أعظم من أن يُقاس بالأعمال وحدها، هذه العبادة العظيمة لا يقدر عليها إلا من امتلأ قلبه يقينًا بأن الخير فيما يختاره الله، حتى وإن خفي سببه عن عبد.
فالإنسان لا يملك العلم الكامل بخفايا الأمور، ولذلك فإن الله تعالى قد ضرب لنا أمثلة تُظهر أن ما نراه شرًا قد يحمل في طياته رحمة عظيمة. ويتجلّى هذا المعنى في قصة موسى – عليه السلام – مع عبده الصالح الذي آتاه الرحمة و العلم سيدنا الخضر، حين أراد الله أن يعلّمه درسًا يلخّص فلسفة الحياة على الأرض: أن وراء كل أمر حكمة، وأن الإيمان الحقيقي هو في الصبر وإن لم تحط بها علما.
كلمة “صبر” في القرآن الكريم
وردت كلمة “صبر” في القرآن الكريم 103 مرات، منها:
• 41 مرة بصيغة الاسم، مثل قوله تعالى:
{واستعينوا بالصبر والصلاة} (البقرة: 45)
• 62 مرة بصيغة الفعل، مثل قوله سبحانه:
{يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} (آل عمران: 200)
وجاءت كلمة “صبر” بصيغة الفعل الماضي المفرد 19 مرة، منها:
{واصبر على ما أصابك} (لقمان: 17)
وتكررت بصيغة جمع المذكر السالم 18 مرة، مثل قوله تعالى:
{إن الله مع الصابرين} (البقرة: 153)
أما بصيغة المبالغة، فقد وردت 4 مرات، منها قوله عز وجل:
{إن في ذلك لآيات لكل صبّار شكور}
في سور: إبراهيم، لقمان، سبأ، الشورى.
وهذه التكرارات القرآنية تؤكد مكانة الصبر وعمق أثره في حياة المؤمن، سواء في مواجهة المصائب أو انتظار الفرج أو الثبات على الطاعة.
أجر غير محدود
والصبر عبادة لا تقابل بميزان الأعمال ولكن بكرم الله عز وجل وقد أكد القرآن الكريم أن ثواب الصابرين ليس له حد في قوله تعالى:
{إنما يوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب}
فهو أجر غير محدود، لا يقارن بأي عمل آخر، وذلك لعظم ما يبذله الصابر من مقاومة، وثبات، واحتساب.
وفي قوله تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
تأكيدٌ أن الجزاء ليس على العمل وحده، بل على الصبر المصاحب له.
وفي آية أخرى:
{إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا}
وهو دليل قاطع على أن الصبر وحده سبب للنجاة والكرامة يوم القيامة.
ويكون الصبر ايضا في مواجهة الأذى فيقول الله تعالى في سورة إبراهيم:
{وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون}
[إبراهيم: 12]
فحتى في لحظات الأذى، لا يكون الرد بعنف أو يأس، بل بالصبر الممزوج بالثبات والتوكل.
ولهذا يقول الناس في أمثالهم الشعبية: “الصبر مفتاح الفرج”.
والصبر لا يعني الاستسلام السلبي، بل هو عملٌ دؤوب مقرون بسعيٍ حقيقي.
وعلى المؤمن أن يؤدي كل ما يستطيع، ثم يصبر حتى يقطف ثمار جهده ويقينه.
فالصبر قوة داخلية تُعين الإنسان على مواجهة الشدائد، وتمنحه القدرة على الاستمرار حين يعجز الآخرون.
إن الصبر مفتاح الجنة حقًا، وهو طريق رضا الله عز وجل. وقد جعل الله النصر مع الصبر، والفرح مع الصبر، والنجاح مع الصبر.
فمن أراد السكينة والطمأنينة، فليتمسك بالصبر؛ ومن أراد الفوز والنجاة، فليجعل الصبر زاده.
فهو عبادة قلبية عظيمة، لا يعرف قدرها إلا من ذاق مرارة الابتلاء وحلاوة اليقين بأن كل بيد الله فتوكل عليه واسعي وصبر حتي تلقاه.