الكاتب الصحفي عبدالرازق توفيق يكتب : «الخطة الأمريكية» .. مَن المنتصر روسيا أم أوكرانيا ؟

نقترب من العام الرابع لاندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية وهناك محاولات كثيرة لتجنب هذه الحرب الشرسة لكنها باءت بالفشل وأبرزها اتفاقيات «مينسك» الأولى والثانية وتبادل الاتهامات بين الجانبين.. روسيا رأت ان فى مساعى ومحاولات أوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتور خطراً على أمنها القومى خاصة اقتراب قوات الناتو من حدودها المتاخمة لأوكرانيا ومحاولات العبث فى الداخل الروسى بتصدير الثورات إلى موسكو وإن وجود حلف الناتو فى أوكرانيا بعد الانضمام إليه بالنسبة لروسيا خط أحمر.. وفى فبراير 2022 هاجمت القوات الروسية الأراضى الأوكرانية بسبب تمسك الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلنسكى بانضمام بلاده لحلف الناتو والاتحاد الأوروبى وهو ما رفضته روسيا.
المفهوم المستقر للنصر فى الحروب والأزمات هو تحقيق المهام والأهداف والعكس يعنى الهزيمة وفى ضوء خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لإنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية ووقف العمليات العسكرية.. فإن بوتين المنتصر لقد احتل العديد من المناطق والمقاطعات والأراضى الأوكرانية وبالنسبة للرئيس الأوكرانى كما يقول «لا طال بلح الشام ولا عنب اليمن» فطبقاً لخطة الرئيس ترامب لإنهاء الحرب التى تدور حولها المفاوضات لن يسمح لأوكرانيا سواء تضمين دستورها بنداً بعدم الانضمام إلى حلف الناتو.. كما ان منظومة الحلف سوف تتضمن بنداً بعدم ضم أوكرانيا للناتو كما ان الأراضى التى سيطرت واحتلتها روسيا لن تعود إلى أوكرانيا بحكم الأمر الواقع كما جاء فى الخطة الأمريكية.
بعض المحللين قالوا إن الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب بين موسكو وكييف تعنى استسلاماً لأوكرانيا.. وهزيمة ساحقة لم تحقق أوكرانيا أى أهداف سوى الاحتلال وضياع أراضيها وحجم الدمار الهائل بالإضافة إلى حرمان ورفض انضمامها لحلف الناتو بما يؤكد أن الرئيس زيلنسكى بات على المحك أمام شعبه ناهيك عن قضايا الفساد التى تلاحق عدداً كبيراً فى نظام كييف وخسارة أوروبا لمبالغ وأرقام طائلة من مليارات اليورو لدعم أوكرانيا فى حربها ضد الروس بالمال والسلاح ورغم ذلك فشلت أوكرانيا وخسرت أوروبا أموالها وامدادات الغاز من روسيا.. وقد أعلنت ألمانيا أنها ربما تلجأ لمعاودة استيراد الغاز من روسيا.. بعض المحللين أيضاً قالوا إن أهم مكاسب أوروبا التى مازالت فى بعض دولها تتخذ ترتيبات حرب محتملة مع روسيا خاصة فرنسا التى تخاطب شعبها بتخزين الطعام والشراب والنقدي.. لكن أوروبا استيقظت على تحد كبير وخطير انه لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية فى حماية أمنها وقدرتها على الدخول فى حروب.. لذلك اتجهت إلى تشكيل جيوش حديثة وبناء قوة هائلة للردع.. ولذلك فإن ألمانيا تعمل على التخلص من عباءة الحماية الأمريكية التى يرى المحللون أنها غير مطمئنة وغير مضمونة.
وبقراءة بنود الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية نجد ان الرابح فيها روسيا وأمريكا فإذا تناولنا روسيا فى الخطة نجد أنها ضمنت السيطرة على المدن والمقاطعات الأوكرانية التى حصلت عليها بحكم الأمر الواقع كما جاء فى الخطة وتجميد موقفها.. فقد نص البند الـ28 الخاص بالترتيبات الإقليمية على الاعتراف بما فيه الأمريكى بأن جزيرة القرم ولوجانسك ودونيتسك خاضعة لروسيا بحكم الأمر الواقع وتجميد وضع خيرسون وزابوريجيا عند خط التماس كحد فاصل فعلى وانسحاب القوات الأوكرانية من الجزء الذى تسيطر عليه فى دونتيسك وتحويله لمنطقة عازلة معترف بها كأرض روسية مع التزام أوكرانيا بالبقاء كدولة غير نووية وتشغيل محطة زابوريجيا تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتقاسم الكهرباء بنسبة 50 ٪.. لم تقتصر مكاسب روسيا عند هذا الحد ولكن إلغاء فكرة انضمام أوكرانيا تماماً لحلف الناتو وهذا ما تريده موسكو فقد نصت الخطة فى البند السابع على تضمين الدستور الأوكرانى بند عدم الانضمام للناتو وتعديل مواثيق الناتو لعدم قبول أوكرانيا مستقبلاً وإعادة دمج روسيا اقتصادياً ورفع العقوبات تدريجياً حسب كل حالة وتوقيع اتفاق اقتصادى بين موسكو وواشنطن فى مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعى والمعادن ودعوة روسيا إلى مجموعة الثمانية.
لذلك أقول ان القوة انتصرت فى النهاية ويحسب للرئيس الروسى فلاديمير بوتين أنه تحلى بالحكمة ولم يتهور فى اللجوء للأسلحة غير التقليدية فى الحرب مع أوكرانيا بل استمر قرابة الـ4 سنوات فى استخدام النظم القتالية التقليدية ونجح.. لكن لديه دروس مستفادة خاصة التغيرات العسكرية لدى موسكو فى حجم الخسائر الهائل.. والاختراقات الأوكرانية والعمليات فى العمق الروسى وهو أمور تسيء إلى دولة المفترض انها قوة عظمى لكن يمكن تفسير ذلك بحجم الدعم الهائل الذى تلقته أوكرانيا سواء من أمريكا أو أوروبا.. لكن فى النهاية انتصرت روسيا حتى ذهب هذا الاتفاق بتفاصيله إلى خير التنفيذ.
ولأن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يرفع شعار مصلحة أمريكا أولاً.. فإن الخطة تمنحه مزايا ومكاسب كثيرة خاصة الاقتصادية والمالية بعد قرابة الـ4 سنوات من تشغيل مصانع السلاح الأمريكية بأموال أوروبية لصالح الجيش الأوكرانى بعشرات أو ربما مئات المليارات من الدولارات.. لكن الرئيس ترامب لم ينس أمريكا فى الخطة فى البند العاشر من الخطة ينص أن الضمان الأمريكى يتضمن تعويضاً لواشنطن ويلغى إذا غزت أوكرانيا روسيا أو اطلقت صواريخ على موسكو إطلاق حزمة عالمية لإعادة إعمار أوكرانيا تشمل إنشاء صندوق تنمية أوكرانيا.. وبطبيعة الحال هذا الصندوق سيكون بتنفيذ وإشراف أمريكى وأيضاً تعاون أمريكي- أوكرانى فى إعادة تطوير البنية التحتية للغاز الأوكرانى واستخراج المعادن والموارد الطبيعية وهو جل الأهداف الأمريكية خاصة ان الصين تستحوذ على 90 ٪ من المعادن النادرة وتوقيع اتفاق اقتصادى بين أمريكا وروسيا واستثمار 100 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة فى إعمار أوكرانيا بقيادة واشنطن وتحصل أمريكا على 50 ٪ من الأرباح واستثمار ما تبقى من أموال روسية فى صندوق أمريكي- روسى فى مشاريع مشتركة لمنع العودة إلى الحرب.. ثم تضيف أوروبا 100 مليار دولار لإعمار أوكرانيا..وتفرج عن أموال روسيا المجمدة.. لا شك أننا نعيش زمن الأقوياء روسيا ربحت وحققت أهدافها ومهام الحرب وأمريكا فازت بغنائم ومكاسب اقتصادية لا يفوتها ترامب.. وخسرت أوكرانيا وبات نظامها على المحك.. خسرت الأرض والأهداف فلا مجال للانضمام إلى الناتو وفشلت أوروبا لكنها خرجت بدرس ان المتغطى بالأمريكان عريان.
تحيا مصر