محمد نبيل محمد يكتب : قناة السويس ؛ العبور الدائم والتدخل المستحيل (٢٨)

اليوم الاول من المفاوضات 

الكاتب محمد نبيل محمد

بدء المفاوضات

أذاعت كل من القاهرة ولندن البيان المشترك في يوم الخميس 16 أبريل 1953.

اتفقت الحكومتان المصرية والبريطانية على بدء المباحثات قريبا في المسائل المعلقة بين البلدين وسيستقبل حضرة الرئيس اللواء أركان حرب محمد نجيب وحضرة الدكتور محمود فوزي وزير الخارجية حضرتي السيررالف ستيفنسون السفير البريطاني والجنرال السير بريان وبرتسون يوم 27 أبريل الحالي.

وبالفعل بدأت المفاوضات يوم 27 أبريل 1953، أي في موعدها المحدد في الساعة الحادية عشرة صباحا في دار رئاسة مجلس الوزراء المصري بالقاهرة وكان الوفدان مشكلين على النحو التالي.

أولاً: الوفد المصري:

§​رئيس الوزراء اللواء محمد نجيب

§​دكتور محمود فوزي وزير الخارجية

§​البكباشي جمال عبد الناصر

§​الصاغ عبد اللطيف البغدادي

§​الصاغ عبد الحكيم عامر

§​الصاغ صلاح سالم

§​الأستاذ علي زين العابدين حسني

ثانياً: الوفد البريطاني:

§​صاحب السعادة سير رالف سكراين ستيفنسون سفير بريطانيا في القاهرة جنرال سير بريان روبرتسون

§​مارشال الجو الأول سيرارتر ساندرز

§​مستر م. ج. كريسويل

§​بريجادير أ ج. ه. دوق

§​بريجادير أ. ف. و . هوب.

§​قائد سرب ج. ج . دافيز

وقد جاء السفير الأمريكي في القاهرة مع الوفد البريطاني بهدف الاشتراك رسميا في المفاوضات مما لم يقع موقع الارتياح لدى الوفد المصري والذي أصر على أن تظل المفاوضات مقصورة على وفدي الحكومتين ذواتى الشأن وحدهما فما وسع هذا السفير سوى الانسحاب وتم الاتفاق على أن يلعب دور الوسيط أو المصلح عند الحاجة.

وظلت الاجتماعات تلتئم بهذا الشكل على مدى ست جلسات كان آخرنا تلك التي عقدت في يوم 8 مايو عام 1953 والتي صدر في ختامها بلاغ مشترك يقول أن المفاوضات أرجئت إلى أجل غير مسمى.

لماذا؟

فبالنسبة للجلسة الأولى فقد بدأت بكلمة من رئيس الوزراء المصري بصفته صاحب القضية وبين المطالب المصرية وموقف مصر الفعال منها:

إن وجود قوات بريطانية على أرض مصرية لمدة إحدى وسبعين عاما قد أوجد بين شعبينا هوة وظلمة وبذر بذور الشك والشقاق بينهما وإلى جانب ما يعبر عنه وجود هذه القوات البريطانية من الناحية المادية كرمز للكفاح المرير الذي ليس له مبرر بين شعبي مصر والمملكة المتحدة فإن هناك ناحية أخرى أخطر في طبيعتها من الناحية الأولى وإني أقصد بذلك أزمة الثقة التي قلبت أساس التفاهم بين الشعبين.

فليس أمامنا سوى طريقين علينا أن نختار بينهما أحدهما التمادي في عدم الثقة والاستمرار في الصراع حتى يتم انسحاب القوات البريطانية الذي ليس منه بد.. والآخر طريق الحقائق وبعد النظر الطريق الذي سيؤدي سلميا إلى الانسحاب.. إن مصر .. مصر الحرة سوف تتطور بسرعة وبقوة حتى تستطيع أن تملأ أكثر من الفجوة التي تتخلف عن الانسحاب للقوات البريطانية تملأ هذه الفجوات لا بالقوات والمعدات وحدها بل بحماس أبنائها المتدفق المنبثق عن كلمة الحرية السحرية.

كما تؤمن إيمانا صادقا بأن ميثاق الأمم المتحدة يصلح أن يكون أساسا متينا للتعاون بين الشعوب الحرة لحفظ حريتهم وصيانة كرامتهم هذا إلى أننا قد قمنا وفق أحكام الميثاق بعقد ميثاق للأمن بين الدول العربية يهدف إلى دفع العدوان عن أي دولة من الدول المواقعة عليه وإني لمؤمن بإمكان بل وبلزوم تدعيم قوى الدول العربية حتى تصبح قوة فعالة لها أثرها.

ورد السفير البريطاني على هذه الكلمة بكلمة أخرى شكر فيها الحاضرين لحفاوتهم ثم قال لقد خولتني حكومة جلالة الملكة أن أنهي إليكم أنها تسلم طواعية بالمقترحات التي أبد يتموها في اجتماعنا الأخير الخاص بمحادثات السودان.

والتي بفضلها يمكننا أن نبدأ بالمسائل الهامة بينا ولذلك قد فوضتني حكومة جلالة الملكة كما فوضت جنرال سير بريان روبرتسون كمندوبين خاصين إني أتفق معكم في أن نحاول الوصول إلى وسائل عملية وأنظمة وعلامات جديدة بين بلدينا تحل محل النظم الحاضرة التي لم تعد تقبلها مصر وأن سير روبرتسون سوف يعرض بعد قليل صورة عامة عن قاعدة القتال من الوجهتين العسكرية والاستراتيجية ولما كانت مثل تلك الصورة العملية للقاعدة تشمل أمورا على درجة كبيرة من التقصير من الناحية الفنية لذا أرى لزما أن أ فضل طريقة هي انتداب لجان تمثل خبراء عسكريين من البلدين لدراسة هذه الأمور وبهذا تتمكن من مناقشتها وإليكم الحقائق التي علينا أن نستوعبها.

1- وجود قاعدة على درجة كبيرة في منطقة القتال يمكنها أن تستوعب قوات كبيرة.

2- وجود أعداد كبيرة من القوات البريطانية المحاربة في هذه المنطقة.

3- الرغبة التي أبدتها الحكومة المصرية بأننا يجب أن نترك مصر الآن، فلنحاول إذن أن نجد حلال لهذه المشكلات.

سبق أن وقعتم على وجهة نظر حكومة صاحب الجلالة في الرسالة التي قام مستر كريستويل بتسليمها لوزير الخارجية في 28 مارس ولقد علمت أن الحكومة المصرية تنظر إلى هذه الأمور على وجهة نظر مختلفة وأن من الطبيعي أن تختلف وجهات النظر ولكن اعتقد أن هذا يتطلب تضامنا من الخبراء الفنيين لإيجاد حل علمي وإني لاأشك لحظة في أن مصر توافق تماما مثل بريطانيا العظمى إلى أن تكون القوات المعادية أبعد ما تكون عن شواطئ البحر المتوسط وعن أرض مصر ونحن لا نختلف في هذا الهدف.

ولقد كان الوفد المصري واضحا وحدد موقفه دون إطار واسع من الحديث الذي يميع بقية المطالب ووصل المتحدث المصري إلى لب المطالب بشكل مباشر.

وحقيقة بالنسبة لمسألة ملئ الفراغ لم يكن الحل المقدم عمليا لأن حماس أبنائها المتدفق ليس كافيا لملء الفراغ الذي كانت تشغله قوات بلغت 80000 جندي تقريبا بكامل معداتهم وإن كان قد استند إلى الدفاع العربي المشترك ولكن على أية حال فإن الأمر في حدود مصر واضح حيث لم يكن هناك خطر يستهدفها كي تكون على استعداد وتسليح ووضع استعداد للمجابهة.

أما بالنسبة لكلمة السفير البريطاني فبدأت مطمئنة للجانب المصري وأنه وافق على الأسلوب الذي كان قد طالب به جمال عبد الناصر في الجلستين الممتدتين من طرح العمل على لجان فنية متخصصة لدارستها وعرض على المفاوضين ثم حصر العمل في إطار النقاط الثلاث التي تضمنت وجهة النظر البريطانية ولو أنه لم يعد شيء بشأنها وإن كان قد رحب باختلاف وجهات النظر على أنه أمر عادي في مثل هذه المواقف ثم ختم حديثه بعبارة براحة وهي اشتراك بريطانيا مع مصر في الرغبة في إبعاد القوات المعادية عن المنطقة وهو طرق خفي لفكرة الدفاع المشترك عن المنطقة.

ثم تحدث بعد هذا سير بريان روبرتسون فأعطى اطمئنانا مبدئيا للمفاوضين المصرين ثم تناول موضوعه من ناحية الأهمية الاستراتيجية والعسكرية لمنطقة قناة السويس كما تناول مسألة ضرورة الدفاع عنها فقال.

لقد طال بقاء بريطانيا العظمى في الشرق الأوسط وكانت مازالت متعددة في تلك المنطقة ولكن ليس لحكومتنا إلا مصلحة واحدة هي استتباب الأمن في الشرق الأوسط وأن لمنطقة قناة السويس أهمية مجموعة دول الكومنولث وكانت مصر على الدوام مطمعا للغزاة نظرا لأهمية موقعها ونهتم أيضا بتركيا إذ هي أيضا بين مناطق الشرق الأوسط التي يتطلع إليها الغزاة وعلى ذلك فاهتمامنا لا يقتصر على الدفاع عن قناة السويس فقط بل يهدف إلى الاشتراك في الدفاع عن الشرق الأوسط ووجود قواتنا في قاعدة قناة السويس يمكننا من هذا الاشتراك ولذلك كانت رغبتنا اليوم هي تقوية بلاد الشرق الأوسط نفسها بشكل يمكنها من صد أي عدوان مستقبلا ولكن هذه البلاد لانستطيع في الوقت الحاضر أن تصد أي عدوان سواء اتحدت أم بقيت بمفردها.

لقد نما على علمنا أن هناك اقتراحا بأن تكون القاعدة تحت إشراف مصر ويهمني أن أوضح ما تضمنه مثل هذا الاقتراح من معان:

1- معنى هذا كما أعتقد أن نسلمكم القاعدة وأن تأخذ الحكومة على عاتقها المحافظة على هذه المعاني التي تبلغ قيمة محتوياتها مئات الملايين من الجنيهات… إن ذلك العمل لو قمنا به لدل على تفة من جانبنا لم يسبق له نطير في العلاقات الدولية.

2- وأن الجيش المصري سيشاركنا في تهيئة القاعدة من تسهيلات وإنني أعتقد أن هذا كسب كبير للقوات المصرية المسلحة.

3- إن مصر سوف تقوم بإدارة القاعدة بشكل منظم في وقت السلم وهذا معناه أن مصر ستقوم بتقديم ما يحتاجه العمل من أيد عاملة وطرق المواصلات اللازمة لإدارة القاعدة ونحن نرى أن تنشأ هيئة فعالة للدفاع وقت السلم حتى تكون على استعداد في وقت الحرب.

وثم أنهى حديثه بتحديد موقف بلاده من المنطقة في ثلاث نقاط:

1- أنها تهتم اهتماما بالغا بالشرق الأوسط وأن قواتها في منطقة القناة ليست من أجل القناة فقط بل من أجل الدفاع عن المنطقة كلها.

2- يجب إعداد بلاد المنطقة لصد أي عدوان.

3- إن القوات البريطانية في الشرق ليست كل إسهامهم في مهام المنطقة.

أما مسألة وجودهم في منطقة القناة فهي مسألة أخرى لأن مصر عندما تتسلم القاعدة من بريطانيا فستكون أمام مسئوليات جسام وأنهم يرون أن يظل إشرافهم الفني على بعض إجراء منشأتهم وأن هذه المسائل كلها ستكون محل دارسة المفاوضين

وانتهت الجلسة الأولى على هذا النحو وطلب جمال عبد الناصر في نهايتها أن تكون الجلسة التالي في اليوم التالي.

ونستكمل فى القادم ان شاء الله مجريات اليوم الثانى للمفاوضات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.