الإعلامي محمود عبد السلام يكتب : صناعة المواطن الفاسد

الإعلامي محمود عبد السلام

تشكيل السلوك الاجتماعي المكتسب لدى المواطن مرتبط ارتباطًا شديدًا بالسلوك العام للمحيطين به. في حالة التدهور الاقتصادي في المجتمعات النامية، التي تبحث عن ضالتها المنشودة في إيجاد حلول للرخاء وتتطلع إلى حياة أفضل، تصطدم بالعديد من أنواع المعاناة، خاصة إذا كانت حكوماتها غير رشيدة وغير قادرة على ضبط إيقاع المجتمع نحو تحقيق أهداف اقتصادية وسياسية تحقق الرخاء والحرية. تميل تلك الحكومات إلى القمع وفرض سطوتها بالقوة، واستخدام الأجهزة الأمنية في غير محلها، وهي الأجهزة التي وُجدت لحماية المواطن وتطبيق القانون.*

في حالة الضيق، يميل البشر إلى إيجاد حلول خارج السياق الرسمي استكمالًا لمسيرة الحياة، بما فيها التعليم

والصحة والتغذية والترفيه. ولما كان المواطن يحاول دائمًا الهروب من طائلة القانون بحثًا عن منفذ للحرية وإيجاد سبل

غير قانونية في غياب السبل القانونية للحصول على لقمة العيش، مع علمه التام بأن الحياة السياسية حوله لا

تتسم بالقدر الكافي من الشفافية والنزاهة والصدق، وأن للفساد الكلمة العليا، يبدأ المواطن في الخروج عن النص.

ويتجلى ذلك في سلوكه اليومي وارتكابه كل ما هو مخالف للقانون، إيمانًا منه بأنه لا بد من الحصول على حقوقه

حتى لو بالطرق غير المشروعة. يصبح التمرد واضحًا بكسر قواعد القانون المنظمة للحياة، بدءًا من كسر إشارات

المرور والسير عكس الاتجاه والاعتداء على حقوق الآخرين، حتى السرقة والرشوة والفساد. والفساد هنا لن يكون

حكرًا على الطبقات المعدومة اجتماعيًا، بل ينتشر أيضًا في الطبقات التكنوقراط صاحبة المراكز العليا، ويمتد حتى يصل

إلى طبقة رجال الأعمال الذين يتبنون سياسات اقتصادية ملتوية لتحقيق مآربهم وجني الثروات، ولا يتورعون عن

تقديم الرشاوى لكبار رجال الدولة لتسهيل أعمالهم التي تراوغ الرقابة.*

أما المواطن العادي، فمع الوقت يكتسب السلوك الغالب على أداء المجتمع. تجده بعد فترة، بعدما تنهك مقاومته في

أن يظل مواطنًا شريفًا، يجرفه التيار العام ويصبح جزءًا من منظومة الفساد بعد أن فقد الأمل في حياة شريفة ينعم

فيها برغد العيش، بينما من حوله يتمتعون (ولو مؤقتًا) بجني ثمار الفساد. في هذه الحالة، تترك الحكومات المواطنين

يفعلون ما يشاؤون، لعجزها عن الإدارة ولضمان بقاء السلطة الحاكمة على سدنة الحكم. تتحول الوعود الحكومية إلى

بخار، وتتحول الجنة الموعودة إلى نار السعير. وينشغل كل مواطن بالسطو على حقوق الآخر، ويميل أصحاب الأموال

إلى الانعزال عن المجتمع والعيش في أماكن مغلقة مثل الكمبوندات، واستئجار حراس لحمايتهم من الآخر الفقير.

يغيب القانون تمامًا ويصبح في خدمة من يملك النقود. ويعتاد المواطن على السلوك البربري غير المتحضر، ويعتنق

الفوضى سلوكًا ومذهبًا.*

ترصد هذه الظاهرة ببساطة في سلوكه المعتاد: التعدي على أرصفة المشاة، الرعونة في القيادة، انتشار وسائل

النقل غير الآمنة، تفشي ظاهرة أكوام الزبالة، مخالفات المبانى، مخالفات المرور، الأصوات المرتفعة، كثرة الشجار،

عدم الاكتراث بالسلوك الفضيل، الميل نحو الإفراط الجنسي، وتعاطي المخدرات. ولكي يعيش الفرد في ظل هذه

الفوضى، يجب أن يكون أكثر شراسة وقدرة على ممارسة العنف حتى يقدر أن يجد له قدمًا على أرض الوطن.

وينشغل الجميع بالبحث عن قليل من الهدوء، وغاية ما يصبو إليه الجميع هو أقل القليل من كل شيء. يدير المواطن

ظهره لحقوق المواطنة ويترك الحكومات تفعل بمصيره ما تشاء دون عناء، بعد أن استسلم للقهر تحت وطأة مشاكله

اليومية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.