محمد نبيل محمد يكتب : الصورة الذهنية لانتصار أكتوبر وهزيمة كيبور (4)

الكاتب محمد نبيل محمد

الترجمة من العبرية إلى العربية من أهم آليات بناء الصورة الذهنية عن “نصر أكتوبر” و”هزيمة كيبور” لذا كان من المهم فى ذلك المسعى إعادة طبع ونشر كتاب”انتصار أكتوبر فى الوثائق الإسرائيلية” وبعد صدوره عن المركز القومى للترجمة منذ ما يزيد عن العقد من الزمان، ونفاذ نُسَخه، تمت طباعته من خلال سلسلة “العبور” التى اتشرف برئاسة تحريرها، وعن ترجمة هذه الكتاب الذى يكشف بعضًا من الوثائق المُفرج عنها من الجانب الصهيونى، والدالة ـ بكل تأكيد ـ عن هزيمة جيش الدفاع فى يوم “كيبور” وانتصار المصريين فى “أكتوبر ـ رمضان” إذ يُشير فى مقدمة الكتاب الدكتور ـ الراحل ـ إبراهيم البحراوى أستاذ الدراسات العبرية بجامعة عين شمس، وصاحب فكرة هذا المشروع الوثائقى، ويتحدث عن مدى الصعوبة التى واجهته للحصول على نصوص الوثائق، والتى نشرها أرشيف الجيش الدفاع باللغة العبرية، وذلك لما تمثله تلك الوثائق من حقًا وطنيًا وتاريخيًا للأجيال الجديدة، حيث حجب الإسرائيليون هذه الوثائق لمدة أربعين عاما ـ زمن صدور الكتاب منذ أثنى عشر عاما ـ ليخفوا حقائق الانتصار المصرى، ويحفظوا معنوياتهم من الانهيار، ولم يكتفوا بذلك بل أن الجيش الإسرائيلى عندما نشر أرشيف الوثائق على موقعة الإلكترونى قام فى الوقت نفسه بوضع عقبات فنية تحول دون الاطلاع عليها بسهوله بالنسبة للباحثين المصريين تحديدا، إلا إن فريق من خبراء المواقع الإلكترونية تمكن من التغلب على هذه العقبات.

وهنا لنا وقفة تكتيكية تستوجب أولا: الإلمام التام، والكامل بكافة الوثائق ذات الصلة بهزيمة جيش الدفاع، والصادرة عن الجانب الصهيونى، وخاصة فى السنوات التالية مباشرة لانعقاد لجنة “اجرانت” التى كانت نتائجها كاشفة عن مرارة الهزيمة بحقائق ساطعة سطوع الشمس، لا يقدر حتى المنافق القُح أو الكاذب الأشر عن إخفائها، وتحديدا تلك الفترة ما بين 1074 وحتى 1979 التى انتشرت فيها اعترافات القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين بل والمفكريين والأدباء والإعلاميين من الصهاينة فجميعهم تملكتهم ـ حينها ـ قسوة الهزيمة ولم يستطيعوا التسلل من واقعها الأليم.

وثانيا: من المهم ـ بالضرورة ـ ترجمة إلى العربية من العبرية تلك الوثائق العسكرية والتقاريرالأمنية والمحاضرالسياسية والنصوص الأدبية والمتون الإعلامية والمواد المتلفزة والمعااجة بصريا ودراميا سواء التسجيلية منها أو السينمائية التى توثق شهاداتهم عن الهزيمة وإقرارهم بنتائجها.

وثالثا: إتاحة تلك المضامين ذات القوالب المختلفة والمتنوعة ما بين مذكرات أو تقارير أو مؤلفات وغيرها لتكون فى متناول الإطلاع المباشر والميسر للشباب من الأجيال القادمة,

وتلك المراحل الثلاث السابقة تعد آلية هامة لمواجهة حملات التكذيب من الجانب الصهيونى للحقيقة المطلقة وهى : نصر أكتوبر وهزيمة كيبور، كما إنها تدعم جهود الدولة الشاملة فى تحصين الوعى الجمعى ضد الهجمات الوافدة من الجانب الصهيونى المباشرة وغير المباشرة لمحاولات محو الصورة الذهنية عن هزيمتهم وانتصارنا لدى شبابنا وأجيالنا القادمة.

وهنا تستوقفنى رواية أحد قادة الفكر الاستراتيجى إذ يحكى لى عن تجربته الشخصية عندما كان موفدا لبعثة دراسية بجمهورية الصين الشعبية منذ أقل من عقد من الأعوام، وتحدث المحاضر عن معارك العصر الحديث ومنها معركة كيبور التى كانت معادلة بين الجيشين المصرى والاسرائيلى، وأكدت هذه التراهات الحوارات التى دارت بين الدارسين من الجنسيات المختلفة وكانت غالبيتها أوربية، حتى ثار صديقنا وانفجر الدم اندفاعا لأم رأسه، وطالب بعشرة دقائق يستعرض فيها حقيقة مجريات معركة أكتوبر، وأخذ يفند بالبراهين الدامغة أنها كانت تحمل نتيجتين لا ثالث لهما، الأولى: نصر للمصريين، والثانية هزيمة للاسرائيليين، وليست نتيجة واحدة “المعادلة” التى تتحدث عنها البرامج التعليمية والمناهج الدراسية فى معاهد واكاديميات أوربا، وبالتالى تناولها الدارسون بالعرض عن حقيقة مشوهة بشكل متعمد من الجانب الصهيونى.

وهذا الموقف يعكس دلالة ومعنى، أما الدلالة: فكانت فى تصرف فردى من صاحبنا دفاعا عن الحقيقة وليست بدافع العنترية، والمعنى: كان فى اعتقاد الغرب بأكاذيب الصهاينة تجاه حرب أكتوبر ـ كيبور.

وهنا كان مقتضى الحال يستوجب منا نحن جيل الوسط ما بين الآباء صناع النصر والأحفاد من الأجيال القادمة، أن نقوم بدورنا فى الدفاع عن “إرث النصر” ونؤدى رسالتنا تجاه القادم من الأجيال فى تنويرهم وتحصينهم بالحقائق عن نصر أكتوبر وهزيمة كيبور، كما قال أحد قادة القوات المسلحة :” أنه كما كان على الجيش صناعة النصر بالدم والروح، استلزم للحفاظ على هذا النصر قيام النسق الثانى من الشعب بواجبه تجاه تحصين الوعى العام من الوافد من الهجمات الفكرية المشوة لهذا النصر وربما المغيرة لحقيقته بالكلية!”

ومن المهم هنا تطبيق منهج “وشهد شاهد من أهلها” حيث سنستعرض فى القادم إن شاء الله ترجمات لمؤلفات جولدا مائير وموشيه دايان وإيلى زعيرا واسحاق رابين وغيرهم، وأيضا المراسلين العسكريين على جبهة القتال الجنوبية والآدباء والمفكرين الصهاينة، وكذلك مؤلفات نقدية عن كتاب نصر اكتوبر فى الادب العبرى، وأعمال درامية ووثائقية عن هزيمة كيبور، مثل الصافرات، وفيلم كيبور، وغيرهما بهدف بناء الفكر وتحصين الوعى حفاظا على الصورة الذهنية لـ “نصر أكتوبر” و”هزيمة كيبور” لدى الرأى العام الوطنى والعالمى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.