جهاد شوقى السيد تكتب: مظاهر الترف وخداع الأسرة المصرية

جهاد شوقى السيد

تشهد المجتمعات الإنسانية نوعين من التغيرات عبر الأزمنة، أحدهما تغيّر جذري يرتبط بالأزمات الكبرى، مثل الحروب والازمات الاقتصادية الطاحنة والتي تسهم في تغير شكل الأسرة ومتطلباتها، والآخر تغيّر ناعم يتسلل عبر القوى الناعمة ويؤدي ببطء إلى تغيّر القيم وانهيار بعض البنى الاجتماعية. وفي الحالة المصرية، بات تأثير الترف المصطنع وخطاب الخداع الإعلامي واضحًا في تشكيل وعي الأسرة وتماسكها.

ويكون التغير الجذري في أوقات الحروب والأزمات الاقتصادية مما يدفع الأسر إلى إعادة ترتيب أولوياتها،

حيث تصبح سلامة الإنسان وأمان العائلة وتوفير الاحتياجات الأولية هي المحرك الأساسي للسلوك الأسري.

في تلك اللحظات القاسية، يزداد ترابط الأسرة؛ فالأب يسعى إلى توفير الأمان، والأم تدعم الأبناء وتحميهم

مهما تغيّرت البيئة أو تراجع المستوى الاجتماعي أو غابت الرفاهية في الطعام والملبس والتعليم.

وفي ظل هذه الظروف، تنعدم الأنانية وتتقوى روابط الأسرة، وقد تجلى هذا بوضوح أثناء وباء كورونا،

إذ شهد العالم ـ ومن ضمنه مصر ـ انخفاضًا كبيرًا في نسب الطلاق والتفكك الأسري.

نوع آخر من التغيّر

على الجانب الآخر، يظهر نوع آخر من التغيّر لا يقل خطورة، وهو التغيّر الناعم الذي تتعرض له المجتمعات عبر وسائل الإعلام

والقوى الناعمة التي تعمل على المدى الطويل لتغيير الأفكار وترسيخ أفكار أخري وعادة ما يؤدي هذا التغير الي تفكيك الأسرة،

وذلك لتدخل قوى الشر في تغيير أفكار المجتمع وترسيخ أفكار أخرى تخدم أغراضها في إضعاف الدول وإضعاف عقيدة وفطرة الإنسان

التي خلقها الله عز وجل.

أفكارا مادية خالصة

وتبث هذه الأفكار عبر الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفزيونية وعادة ما تكون أفكارا مادية خالصة،

تشجع البعد عن الأخلاق والدين والثقافة المصرية الأصيلة، وتحتفي بالسعي الدؤوب خلف الترف والمال ولو بطرق لا أخلاقية.

وبعد أن كانت الدراما المصرية تقدم رموزًا تحتفي بالحق والمبادئ، كما في “ضمير أبلة حكمت” و”الراية البيضاء” والمسلسلات الإسلامية

التي كانت تحكي عن أمجاد الصحابة والخلفاء الراشدين كمسلسل “عمر بن عبد العزيز” و”الإمام أحمد بن حنبل”،

نجد أبطال المسلسلات الآن هم رجال عصابات وبلطجية مثل مسلسل “جعفر العمدة” و”الخديوي” وغيرها من المسلسلات

التي تدخل يوميًا بيوتنا من خلال شاشات التلفاز، ودائمًا ما تناقش قصة شخص فاسد أخلاقيًا نجده في آخر المسلسل

أصبح من الأثرياء ويتمتع بالترف والبذخ والسلطة والمال.

ليخرج المشاهد في نهاية العمل الدرامي بصورة مفادها أن الفساد طريق إلى الثراء والسلطة والبذخ.

منصات التواصل الاجتماعي

وتضاعف تأثير التغيّر الناعم عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي تروّج لأنماط حياة مترفة لا تشبه الواقع،

بات “الإنفلونسرز” يعرضون حياة مبالغًا في بذخها، بينما يقدم البعض ـ رغم الجهل التام ـ نصائح حول الثراء وإدارة الحياة.

ومن أخطر ما يبث عبر هذه المنصات خطاب يزرع الفتنة بين الرجل والمرأة؛ إذ تنتشر مقولات بأن “كل الرجال نرجسيون”

وأن “المرأة لا تبحث إلا عن المال”، مما أشعل معركة مفتعلة بين الجنسين وأسهم في ارتفاع نسب الطلاق،

بل إحجام الشباب والشابات عن الزواج. فبعد أن فشلت قوى الشر الساعية لزعزعة المجتمعات العربية والإسلامية

في خلق فتنة بين المسلمين والمسيحيين، اتجهت إلى خلق الفتنة بين الرجل والمرأة داخل الأسرة نفسها.

وانتشرت ظاهرة تمجيد “الرويبضة” ـ أي التافه الذي يتصدر للحديث في شؤون العامة ـ وتسليط الضوء عليهم،

بينما يشعر المثقفون وأصحاب العلم بالتهميش وانعدام العدالة.

ترف فاحش بلا علم ولا أخلاق

يظهر هؤلاء التافهون بمظاهر ترف فاحش بلا علم ولا أخلاق، ويقدّمون نصائح حول كيفية جمع “أول مليار”!

وهو ما ينعكس سلبًا على الشباب المكافح الذي يجد نفسه في مقارنة ظالمة مع أوهام مختلقة ومدمرة،

فكيف يكون تأثير هذا على الشباب الذي يكافح يوميًا من أجل الحصول على قوت يومه!

فالقوى الناعمة اليوم هي المحرك الأكبر للتغيّر الاجتماعي. وقد أدركت دول مثل كوريا والصين خطورة ترك المحتوى دون رقابة،

فحدّت من حجم الأفكار التي تصل إلى أبنائها حفاظًا على هويتها وثقافتها.

ومصر ـ مثل غيرها من الدول ـ بحاجة إلى خطوات مشابهة، حتى لا نصل إلى مجتمع مفكك تسيطر عليه السطحية والجهل الأخلاقي والعلمي

نتيجة هذا الكم الهائل من الأفكار المضللة.

إن مواجهة مظاهر الترف المصطنع وخداع القوى الناعمة تبدأ بالوعي، ثم التربية، ثم وضع خطوط حماية تعيد للأسرة المصرية قوتها وثباتها.

فاستقرار الأسرة هو صمام الأمان لأي مجتمع، وحمايتها مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع والإعلام.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.