الكاتب الصحفي عبدالرازق توفيق يكتب : كوارث «التيك توك» و «التوك توك»
استمرار هذه الظاهرة الكارثية خطر متعدد الأبعاد والمساوئ ويضر بالوطن والمواطن

تحركت الحكومة سريعا وبحسم فى مواجهة حالة الانحطاط والتدنى والانحرافات الأخلاقية التى لا تناسب ولا تليق بالمجتمع المصرى فى ظل المحتوى الذى يشاهده المواطنون على منصات «التيك توك» والذى وصل إلى تجاوزات يندى لها الجبين وأصبح يعرض فيديوهات خادشة للحياء وكأننا فى غرف النوم، وهو ما شكل خطرا داهما على قيم المجتمع وأخلاقياته وثوابته وتعاليم الأديان السماوية ناهيك عن جرائم غسيل الأموال والرغبة فى الثراء السريع دون ضوابط أو معايير أخلاقية وبغض النظر عن مبدأ الحلال والحرام وهو ما يغذى ثقافة مدمرة فى المجتمع، لكن تحرك وزارة الداخلية فى الوقت المناسب كان حاسما ورادعا لكل من تسول له نفسه تبنى وترويج هذا المحتوى الهابط والمتدنى والمشبوه.
لكننا أمام كارثة ربما تزيد فى خطورتها عن المحتوى الهابط الذى يقدمه «التيك توك» وهو مركبات «التوك توك» الذى تملأ شوارع البلاد دون ضابط أو رابط وله تأثير مدمر وكارثى على كافة الأصعدة سواء الاقتصادية والتعليمية والأمنية والأخلاقية والأدهى والأمر ان الأرقام الأكبر فى محافظات الوجه البحرى والقبلى حيث تشهد محافظات الوجه البحرى أكثر من 88 ألف توك توك وفى «القبلى» أكثر من 80 ألف مركبة من هذا النوع وإجمالى هذه المركبات فى البلاد طبقا لإحصائية الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى نهاية العام الماضى اننا أمام ما يقرب من 190 ألف مركبة وهو أمر يتطلب وقفة حاسمة وحازمة ورؤية شاملة خلاقة وبإرادة توجه لمعالجة هذه الظاهرة أو القضاء عليها تماما وإيجاد البدائل التى تخضع للضوابط والمعايير والقانون فرغم حظر استيراد هذه المركبات بقرار فى عام 2021 إلا ان الأمر لم ينته بل ما زالت الظاهرة تشهد تداعيات خطيرة على الاقتصاد فى الوقت الذى تحتاج فيه مصر للأيدى العاملة الماهرة فى ظل المشروعات الكبرى والاستثمارات الأجنبية والمحلية الضخمة فى ظل حاجة المجتمع والمواطن للعمالة الماهرة فى الميكانيكا والنجارة والسباكة والبناء وغيرها من المهن والحرف التى تميزت بها مصر، نجد ان مئات الآلاف من أصحاب المهارات فى هذه الحرف اتجهوا إلى شراء «التوك توك» لتحقيق المكسب السريع والمريح وبالتالى نفقد ثروة عظيمة لخدمة الاقتصاد المصرى وأيضاً التواجد المهم فى سوق العمل المحلى والإقليمى والدولى فى ظل جوهرية وأهمية تحويلات المصريين فى الخارج التى شهدت طفرة هائلة بوصولها إلى أكثر من 36.5 مليار دولار بالإضافة إلى أهمية العمالة الماهرة للمشروعات القومية العملاقة سواء التى تنفذها الدولة أو المشروعات التى يعمل عليها الاستثمار المحلى والأجنبى أو حتى لخدمة المجتمع والمواطن فقد أصبحت عملية البحث عن صنايعى سباك أو نجار أو ميكانيكى أو مبيض عملية شاقة وربما ان وجدت ليست بالكفاءة المطلوبة بعد فقدان رصيد كبير من المهرة.
كوارث «التوك توك» لا تتوقف عند ذلك تعديات سيىء السمعة من خلال تجارب الواقع، إذ يرتبط فى الكثير من الأحيان بالعديد من الجرائم مثل البلطجة والتحرش والمخدرات سواء فى تعاطى السائقين أو ترويج المخدرات حتى وصلت جرائمهم إلى القتل مثلما حدث فى بعض المحافظات والسرقات وهناك وقائع كثيرة سواء فى ممارسة البلطجة والتحرش والمشاكل التى فيها عنف وأسلحة بيضاء لأن هؤلاء بهذه المواصفات يتجمعون فى مكان واحد ويفتعلون مشاكل فيما بينهم أو مضايقات للمارة من المواطنين.
الصورة العامة للتوك توك سيئة ومسيئة تشويه للصورة الحضارية والمشهد العام، لذلك علينا البحث عن وسائل جديدة فى مشروع يحمل رؤية وإرادة، ربما يكون استبدال هذه المركبات بسيارات صغيرة تخضع لضوابط وتصاريح وتراخيص، فهناك أطفال فى أعمار العشر سنوات يقودون مركبات «التوك توك» تراهم حتى فى أوقات الدراسة ومع سهولة القيادة وسرعة المكسب هناك خطر كبير على التعليم من خلال التسرب بالإضافة إلى تفشى ثقافات غريبة وشاذة وألفاظ سوقية ونابية وبلطجة ومخدرات وتحرش وهذه الجريمة وقعت فى إحدى الشوارع الكبيرة فى الجيزة وتجمع سكان وشخصيات مهمة من السكان وذهبوا لرئيس أحد الأحياء يطالبون بمنع سير مركبات «التوك توك» فى هذا الشارع كانت الإجابة لا أستطيع ونصحهم للأسف الشديد بالاستعانة بأحد البلطجية للوقوف فى أول الشارع ونهايته لمنع سير «التوك توك» بعد واقعة التحرش وبالفعل يتم تجميع 40 ألف جنيه شهريا لتذهب إلى هذا البلطجى الذى يجلس مع مساعديه يوميا فى الشارع لمنع «التوك توك»، لذلك نحتاج إجراءات حاسمة من التنمية المحلية ورؤية شاملة لمنع هذه الظاهرة الكارثية على كافة المستويات وتسىء إلى السياحة فى ظل التوهج الذى تشهده مصر فى هذا القطاع، كما ان العاملين فى هذا القطاع يتسربون إلى العمل على هذه المركبات لأنها تدر مكسبا وفيرا ومربحا، كما ان تكوين معظم سائقى «التوك توك» الثقافى والتربوى بعيد تماما عن المطلوب فيما ينتشر من صراخ وضجيج من أغانى هابطة وكلام خادش وجارح هو أمر يفسد الذوق العام وينجب جزءا من الأجيال الجديدة تعانى من تشوه الذوق العام والتدنى والاسفاف والابتذال، لذلك فإن هذه المركبات بلاء وكارثة متعددة التداعيات والآثار السلبية على الاقتصاد والسياحة والمجتمع والتعليم والأخلاق والأمن أيضاً.
وهذا لا يمنع من وجود أسوياء من أصحاب وقائدى «التوك توك» خرجوا للكسب الحلال لكن ضررها أكثر من نفعها وهذا الضرر الجسيم يؤثر على مجالات كثيرة خاصة الاقتصاد والتعليم والجريمة والسكوت عليه تدمير لجزء من المجتمع والفئات وتراجع لمميزات ومزايا لدى مصر من العمالة الماهرة وتحفيز وتشجيع التعليم ومكافحة الادمان والارتقاء بالذوق العام وما تشهده فى الشوارع من هذه المركبات أمر لا يتسق تماما مع أهدافنا ومع ما يتحقق من معجزات اقتصادية وتنموية وحضارية، لذلك مطلوب علاج حاسم ومواصلة الحرب على التدنى والانحطاط والصور المسيئة، كما حدث مع محتوى «التيك توك» والنجاح الكبير الذى تحقق، مطلوب فى ذات الوقت رؤية لمعالجة وإصلاح هذه الظاهرة التى أراها كارثية لتعدد آثارها السلبية سواء فى استبدال هذه المركبات بأخرى حضارية مع إخضاعها للقواعد والمعايير والقوانين والتراخيص أو تدريب هؤلاء وتأهيلهم على إجادة مهن وحرف يحتاجها سوق العمل وإخضاعهم لتأهيل وعلاج نفسى أو علاجهم من الادمان إذا وجد، لكن استمرار هذه الظاهرة الكارثية خطر متعدد الأبعاد والمساوئ ويضر بالوطن والمواطن، لذلك المواجهة مطلوبة.
تحيا مصر