الفنان ناصر النوبي يكتب: المتحف المصري الكبير… ميلاد جديد لحلمٍ عظيم

الفنان ناصر النوبي

لم يكن المتحف المصري الكبير مجرّد مشروع معماري ضخم، بل هو حلم أمةٍ استيقظ من سبات طويل، وارتفع شامخًا في واحدٍ من أعظم أماكن العالم، أمام أهرامات الجيزة، ليعلن أن مصر ما زالت — وستظل — مهد الحضارة، ومصدر الإلهام الإنساني الأول.

ذلك الصرح المهيب لا يُجسّد فقط تاريخًا مضى، بل يرفع راية الهوية المصرية، ويؤكد أن مصر قادرة على استعادة مكانتها في صدارة الدول الحضارية.

وليس غريبًا أن يقول ملك إسبانيا في إحدى زياراته:

مصر هي عاصمة الحضارة الإنسانية والبشرية.

إن هذا الإنجاز العظيم ينبغي أن يكون منطلقًا لرؤية وطنية متكاملة، يتضافر فيها أبناء الوطن، من أجل نهضة سياحية شاملة، تُعيد للاقتصاد حيويته، وتُبرز للعالم جمال مصر المتجدد.

فصناعة السياحة هي أقصر الطرق لتحقيق قيمة مضافة سريعة، إذا ما تم تطوير المنتج السياحي عبر بناء الفنادق والقرى السياحية في الأقصر، وأسوان، وسوهاج، وأبيدوس.

بل إن تشغيل مطار سوهاج كمطار سياحي سيُحدث نقلة نوعية، إذ تمتلك المحافظة رصيدًا ضخمًا من التراث الأثري والثقافي يمكن أن يجعلها مقصدًا عالميًا جديدًا، تمامًا كما حدث مع أبي سمبل.

ولعل تحسين الطرق بين أسوان وأبي سمبل وتحويلها إلى طريق مزدوج، وزيادة الرحلات الجوية بأسعار مناسبة، وفتح خطوط طيران مباشرة بين مصر ودول مثل البرازيل والمكسيك، كلها خطوات قادرة على فتح آفاقٍ جديدة للسياحة المصرية.

إن افتتاح المتحف الكبير قد ألهم العالم وأعاد تسليط الضوء على فرادة مصر وتنوعها.

ولهذا، يجب أن نواكب هذا الاهتمام العالمي عبر رفع كفاءة الخدمات، وتوفير حلول فورية، مثل فتح الشقق والفلل المغلقة للإيجار السياحي، ريثما تُستكمل مشروعات الفنادق الجديدة.

وفي الوقت ذاته، علينا الاهتمام بالسياحة الصحراوية والعربية، مع فهم متطلبات السائح العربي، وتقديم برامج دعائية تتحدث بلغته وذوقه، فالسوق العربي قريب قلبًا وعقلًا، لكنه يحتاج إلى تواصلٍ صادقٍ وفعّال.

وليس الهدف فقط زيادة أعداد الزائرين، بل تنظيم الزيارات، وفتح بعض المواقع الأثرية ليلاً في الأقصر وأسوان والقاهرة، بما يضفي سحرًا جديدًا على تجربة السائح، ويُطيل مدة إقامته.

إن الثقافة والسياحة جناحان لا ينفصلان، فكما تبهرنا الأحجار بصمتها، تبهرنا الموسيقى والفنون بخلودها.

ولهذا يجب أن نعيد إحياء السياحة الثقافية عبر عودة العروض العالمية مثل أوبرا عايدة، واستضافة فرق عالمية من الصين وإسبانيا وأمريكا اللاتينية، والتعاون مع الفرق الشعبية المصرية لتقديم أعمال مستوحاة من روح الحضارة المصرية.

ومصر قادرة، بفنونها ومواهب أبنائها، أن تحتضن مهرجانًا عالميًا سنويًا يجمع شعوب العالم عند سفح الأهرامات والمتحف المصري الكبير، ليكون احتفالًا بالإنسانية كلها في مهدها الأول.

مصر… فريدةٌ في جوهرها، خالدةٌ في أثرها، وتستحق أن تكون في مقدمة المقاصد السياحية والثقافية في العالم.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.