الدكتور علاء رزق يكتب  : نقطة التحول ونعمة التحمل(٣)

الدكتور علاء رزق

تناولنا فى المقالين السابقين أن السردية الوطنية للتنمية الإقتصادية قائمة على تحديد القطاعات ذات الأولوية لجذب الإستثمارات الأجنبية،مع توقع أن يكون عام 2026 نقطة تحول هائلة للإقتصاد المصري، بعد رفع التصنيف الإئتماني لمصر من قبل وكالة “ستاندرد آندبورز”، وأن نقطة التحول الأكبر ستكون عبر إستضافه مصر في نوفمبر الحالى مؤتمر التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية،وأنه من الأهمية أن نؤكد أن مصر تمتلك الآن فرصة تاريخية لتوظيف هذا الزخم السياسي في تنفيذ إصلاحات اقتصادية هيكلية تضمن تحقيق التنمية المستدامة التي لا يمكن فصلها عن الحل السياسي العادل القائم على وجود دولة فلسطينية ،مع تحقيق توازن بين متطلبات الإصلاح المالي وإحتياجات المواطن الذى كان هو عنوان المرحلة السابقة وآن الآوان أن يحصد نعمة هذا التحول. لذا جاء إنعقاد القمة الأولى بين مصر والإتحاد الأوروبي تتويجاً لمسار الشراكة الإستراتيجية الشاملة التي تم إطلاقها رسمياً في مارس 2024.وهو ما يؤكد بأن مصر أصبحت شريكاً لا غنى عنه في أي معادلة تخص الشرق الأوسط.بعد أن أعيد تسليط الضوء على الدور المصري كفاعل رئيسي في هندسة التوازنات الإقليمية،وما يدعونا للتفاؤل بأن عام 2026 سيكون نقطة تحول مفصلية للإقتصاد المصرى، فى ظل ثقة المتنامية للأسواق العالمية بأن الإقتصاد المصري يسير في مسار إصلاحي واضح، ومدعوم دولياً ،وهو ما تجلى مؤخراً فى تعاظم التعاون الاستثماري الصيني المصري عبر الدورة الأولى للمنتدى الصيني المصري للإستثمار ،الذي يمثل إنطلاقه جديدة نحو التوسع في التعاون الإستثماري، وزيادة جودته وكفاءته على حد سواء. تسعي مصر من وراء هذا المنتدى لجذب الإستثمارات الأجنبية ،وعرض بيئه الاعمال المصرية، وتوصيل رسالة أن مشروع “تيدا “في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أصبح نموذجاً ناجحاً في مواءمة مبادرة الحزام والطريق، مع إستراتيجية تنمية قناة السويس والتي إستقطبت نحو 200 شركة صينية بإستثمارات تقدر بثلاثة مليارات دولار، وبالتالي فإن نجاح عملية الإصلاح الإقتصادي المصرية يجب أن تقوم على تعزيز عملية توطين الصناعة، والتوسع في قطاعات جديدة لم ندخلها سابقا مثل الألياف الزجاجية ،والاجهزة المنزلية، والطاقة الجديدة، وتأكيد النجاح في قطاعات يجب العمل على تطويرها، كالغزل والنسيج، والسيارات. ولاشك أن افتتاح المتحف المصري الكبير منذ أيام ما هو إلا أكبر دليل على تأكيد الإستمرار فى عملية الاصلاح الاقتصادي وتحقيق رؤية مصر 2030، التي تستهدف القضاء على الفجوة التمويلية بتعظيم مصادر النقد الأجنبي ،وعلى رأسها يأتي تي مصدر قطاع السياحة،فعلى سبيل المثال تقدر التكلفة الإجمالية لإنشاء المتحف بحوالى 1.2 مليار دولار، ما بين قروض من اليابان بشروط ميسرة، والباقى تمويل من المجلس الأعلى للآثار، والجزء الباقى من التكاليف من تبرعات وصناديق دولية، وهناك تقديرات من هيئات عالمية تشير إلى أن المتحف بمفرده قادر على جذب بين 5 إلى 8 ملايين سائح سنوياً، لذا من المتوقع أن ترتفع أعداد السائحين القادمين إلى مصر من 13 مليوناً حالياً إلى نحو 18 مليوناً خلال العام المقبل، مع إستهداف الوصول إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2030.وهو رقم ضخم يساهم فى سداد المستحقات، فضلا عن كونه قادرا على جذب رعايات دولية من اليونسكو والمنظمات الأممية.وهو ما يجعل الأمل يزداد بأن مصر على الطريق الصحيح اقتصادياً برفع شعار صناعة السياحة ، وليكون المتحف المصري الكبير هو بداية عصر جديد للإقتصاد الثقافي في مصر. وتحويل تاريخ مصر إلى مصدر مستدام للدخل، وليكون المتحف المصري الكبير هو مشروع الربط بين الماضي العريق والحاضر الطموح والمستقبل الواعد، وليكن المتحف المصري الكبير نموذجاً عالمياً لتحويل التراث إلى قوة اقتصادية ناعمة تساهم في دعم التنمية المستدامة وتعزيز مكانة مصر بين الأمم. ولكن يبقى أن تحقيق الإستفادة من هذه الإنجازات يتطلب الإستمرار في الإصلاحات الإقتصادية،وتحسين بيئة الإستثمار، وتفعيل الإتفاقيات على أرض الواقع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.