عبد الناصر البنا يكتب : حرما آمنا .. إحترموا ضيوف الرحمن !!

{ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } آية كريمة وردت فى سورة آل عمران ، هذه الآية تؤكد على قدسية مكة وأمنها وأمانها ، ومعناها أن من يدخلها يأمن من كل سوء أو أذى أو اى مكروه ، يدخلها الخائف فيأمن على نفسه ، وكان هذا هو الحال في الجاهلية ، وكذلك بعد دخولها الإسلام ، حيث يُحرم إيذاء من يدخل الحرم تصديقا لقوله تعالى { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } .
ولعلنا نتذكر جيدا قصة ” أبرهه الحبشى ” الذى حاول أن يهدم الكعبة فى العام الذى سمى بعام الفيل ، وكيف هُزم بجيش من الطيور الأبابيل التى ترمي عليهم بحجارة صغيرة من سجيل ، مما أدى إلى هلاك جيشه وعودته مصاباً ، ونزلت فيه آيات تقرأ إلى يوم الدين . هذه هى مكة ، وبكة ، وأم القرى ، والبلد الأمين التى ورد ذكرها فى كتاب الله .
على مر التاريخ كانت مكة وستظل البلد الأمين ، وسوف تظل دعوة أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يجعل الله مكة بلداً آمناً ويرزق أهله من الثمرات ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ صدق الله العظيم .
تداول رواد مواقع التواصل الإجتماعى مقاطع فيديو لـ إعتداء على معتمر مصرى وزوجته فى الحرم المكى ، وسط تفاعل واسع من رواد المواقع ، ومطالب بمعاقبة رجل الأمن ، والحقيقة أن هذا المشهد قد تكرر كثيرا فى الآونة الأخيرة ، وبعيدا عن ” شخصنة ” الواقعة ، أو إعطاءها أكثر من كونها تصرف فردى ، حتى وإن كان متكررا ، أو المطالبة بأن تتخذ الدولة موقفا ما .. إلخ
بداية الـ إهانة غير مقبولة سواء إن كانت على مصرى أو غير مصرى إحتراما لـ قدسية المكان ، هذا التصرف الغير مسئول والمتكرر ، قد يعيدنا لقضية جدلية أخذت طابعا سياسيا وأثارت جدلاً دوليًا وقتها . كانت ” إيران ” قد طرحت فكرة فى فترة الثمانينات ، وتحديدا فى عام 1981 عندما طالبت ” بتدويل الحج ” أى أن تكون هناك هيئة دولية تشكل من دول منظمة المؤتمر الإسلامى تتولى إدارة الأماكن المقدسة فى مكة والمدينة ، وقتها إعتبرت المملكة العربية السعودية أن هذا الأمر مؤامرة خطيرة عليها ، خاصة وأن المبادرة وجدت قبولا وترحيبا من قبل ” تركيا ” لـ توتر العلاقات بينها وبين السعودية ، فى حين وجدت رفضا قاطعا لها من مصر وعدد من الدول الأخرى .
أما عن الإعتداءات التى وقعت فى باحات الحرم المكى فهى كثيرة ، أختص منها ماحدث فى العام 1979م عندما قام شخص يدعى ” جهيمان العتيبى ” وكان معارضا دينيا سعوديا ، قام هو وعدد 200 مسلح من جماعته بالإستيلاء على الحرم المكى ، واحتجاز عدد من المعتمرين ؛ وإزاء هذا الوضع المتأزم إستجاب الرئيس السادات لنداء العالم الإسلامى بتدخل مصر لـ ” تحرير الحرم المكى ” من جماعة جهيمان ، وبالفعل أرسل لهم فرقة ” كوماندوز ” حررت المسجد الحرام من سيطرة تلك العصابة .
لم تكتف إيران بفكرة ” تدويل الأماكن المقدسة ” التى وجدت رفضا قاطعا كما ذكرت ، بسبب توتر العلاقات بينها وبين المملكة منذ قيام الثورة فى إيران عام 1979م ، وعادت بإفتعال المشاكل فى الأماكن المقدسة ؛ عندما وقعت إشتباكات بين متظاهرين من الحجاج الشيعة الإيرانيين ، وقوات الأمن السعودية في مكة أثناء موسم حج عام 1987 م ، مما أدى إلى مقتل أكثر من 400 شخص !!
وفى عام 2015 م ، وخلال أعمال توسعة الحرم ، وبسبب العواصف الرملية والرياح القوية سقطت أكثر من رافعة على المعتمرين أدت إلى مقتل أكثر من 107 معتمر ، وإصابة نحو 238 شخص آخرين ، وقتها أشارت أصابع الإتهام إلى إيران بتدبير الحادث ، من أجل العودة إلى المطالبة بتدويل الأماكن المقدسة .
إعتداء أفراد الأمن فى الحرم على المعتمرين ومن بينها الواقعة الأخيرة ، مشهد إعتبره البعض مفرط فى الحدة ، وهناك من خفف من حدة الموقف .. ورأى : أن هناك من المعتمرين من يخالف التعليمات التنظيمية التى تهدف إلى راحة المعتمرين فى المقام الأول ، وكثيرا ماشاهدنا خلال آداءنا لفريضة الحج أو العمرة تصرفات كثيرة قد تسبب عرقله فى إنتظام حركة الطواف مثل الحرص على الصلاة إلى جانب مقام سيدنا إبراهيم مثلا ، أو محاولة الدخول عنوة أثناء علمية الغلق للأماكن التى لاتستوعب زيادة فى الأعداد .. وهكذا . حتى وأن كانت المملكة قد قللت كثيرا من تلك الاحتكاكات باستخدامها للوسائل التكنولوجية الحديثة التى تهدف إلى سهولة تأدية المناسك عن ذى قبل .
المشادة الكلامية بين المعتمر والشرطى كما أظهرتها مقاطع الفيديو ، حدثت بعد قيام الشرطي بجذب السيدة من يدها بقوة ، لدفعها إلى ترك موقعها داخل الحرم ، وفي أول تعليق رسمي لها ، نشرت قوات الأمن العام السعودية تغريدة عبر صفحتها الرسمية على منصة “إكس” ، أكدت فيها أن القوات الخاصة بأمن الحج والعمرة باشرت في حينه ضبط شخص ظهر في محتوى مرئي مخالفًا للتعليمات والتنظيمات المتبعة في المسجد الحرام ، مشيرة إلى أنه تم استكمال الإجراءات النظامية حياله .
رحلة الحج أو العمرة هى من الرحلات الروحانية الإيمانية التى يجب على الشخص أن يتجرد فيها من الدنيا ومتاعها ، طاعة لله وإستجابة لرسولة ﷺ ، وآداءا لمناسكه فى سهولة ويسر ، ولذلك يجب عليه أن يلين فى يد أخيه ، وأن يكون مطيعا ، مستجيبا للتعليمات وللأوامر والنواهى التى تأتى فى المقام الأول من أجل راحته ، وآداءه لمناسكه فى سهولة ويسر ، وأن يترفع عن النقائص ، والحقيقة .. أننى صادفت الكثير من هذه الأمور خلال آداء المناسك ، ولكن بشىء من العقل تسير الأمور التى لايجب الوقوف أمامها طويلا .. لأن مصر والمملكة علاقة ممتدة عبر الزمن .. حفظ الله مصر والمملكة حكومة وشعبا .. ودائما وأبدا ” تحيا .. مصر ” .