محمد يوسف العزيزي يكتب : المتحف المصري الكبير.. أسئلة الغياب العربي في حضرة التاريخ !

الكاتب الصحفي محمد العزيزي

لم يكن افتتاح المتحف المصري الكبير حدثًا عابرًا في تاريخ مصر أو المنطقة، بل كان لحظة حضارية فارقة أعادت إلى الأذهان قدرة مصر على صون إرثها الإنساني وتقديمه في أبهى صوره.

الحدث حمل رسالة ثقافية وإنسانية تتجاوز حدود الجغرافيا، وتؤكد أن الحضارة المصرية القديمة ليست مجرد تاريخ احتوته المتاحف، بل ذاكرة حية تشهد على عظمة الإنسان المصري، وتمثل جزءًا أصيلًا من التراث الإنساني المشترك.

لكن .. في المقابل لفت الأنظار غياب عدد كبير من القادة والرؤساء العرب عن حضور الافتتاح رغم الدعوات الرسمية – حسب ما جاء في الأخبار الرسمية وعزم البعض منهم علي الحضور والمشاركة –  وهو غياب أثار تساؤلات متعددة تتراوح بين الثقافة والسياسة والإعلام

من الزاوية الثقافية، يبدو أن هذا الغياب يعكس فتورًا في الوعي العربي تجاه الرموز الحضارية الكبرى التي من المفترض أن توحد الوجدان وتؤكد وحدة الهوية الثقافية للأمة العربية التي طالما تحدثنا عنها

فالمتحف المصري الكبير ليس مجرد مشروع مصري ضخم، بل هو سجل مفتوح للحضارة العربية في أصلها الإنساني، ومع ذلك غابت المشاركة العربية عن لحظة كان يمكن أن تتحول إلى مناسبة لاستعادة الاعتزاز بالمشترك الثقافي.. حيث تراجع الاهتمام الرسمي العربي بالثقافة الحقيقية لصالح حسابات اقتصادية وسياسية آنية، فباتت المناسبات الثقافية الكبرى لا تحظى بالمكانة التي تستحقها في أجندة القادة وصناع القرار.

وفي السياق نفسه، تبرز الزاوية السياسية كعامل مؤثر لا يمكن تجاهله فالعلاقات بين العواصم العربية في الفترة  الأخيرة شهدت تباينا في المواقف وتعارضًا في الأولويات، وربما جعل ذلك بعض الدول تفضل الغياب تجنبًا لتأويلات سياسية أو رسائل غير مقصودة أو مقصودة !

وهنا تطرح المفارقة نفسها: كيف يمكن أن تتحول مناسبة ثقافية خالصة إلى مساحة للحذر السياسي؟ وكيف يغيب التنسيق العربي عن حدث كان يمكن أن يكون فرصة للتقارب بدلاً من أن يصبح عنوانًا للغياب؟

أما الزاوية الإعلامية فقد أظهرت تفاوتا واضحا في الاهتمام حيث انشغلت واهتمت وسائل الإعلام العالمية من الشرق إلى الغرب، بتغطية الحدث باعتباره إنجازًا إنسانيًا فريدًا، بينما تعاملت بعض وسائل الإعلام العربية معه كحدث بروتوكولي محدود ومجرد خبر بتفاصيل سطحية!

هذه الفجوة في التناول الإعلامي كشفت أن العالم يدرك قيمة الحضارة المصرية أكثر مما يدركها بعض الأقربين، وأن الخطاب الثقافي العربي ما زال عاجزًا عن تقديم رموزه الحضارية بالصورة التي تليق بمكانتها.

إن غياب القادة العرب عن افتتاح المتحف المصري الكبير لا يقلل من عظمة الحدث ولا من مكانة مصر، لكنه يطرح أسئلة مشروعة حول طبيعة العلاقة بين العرب وثقافتهم الجامعة، وحول موقع الثقافة في سلم أولوياتهم الرسمية.. فهل كان الغياب صدفة فرضتها الظروف؟ أم أنه يعكس برودًا أعمق في التواصل العربي علي مستويات عدة؟

مهما كانت الإجابة.. يبقى الثابت أن مصر قدّمت للعالم صرحًا حضاريًا يليق بتاريخها، وأن الحضارة المصرية – التي ألهمت الإنسانية منذ فجر التاريخ – ستظل قادرة على جمع العالم حولها، حتى وإن غاب عنها بعض الأشقاء في لحظةٍ كان عنوانها الأبرز: “غياب في حضرة التاريخ ”

 

تعليق 1
  1. ممدوح حموده يقول

    كانت مصر حاضرة العالم في الماضي وستظل كذلك في الحاضر أو المستقبل ، وأثبت ذلك الحدث الكبير في إفتتاح المتحف المبهر.

    أما الحضور أو التفاعل العربي ، فلا يقلل من الحدث الكبير شيئا .

    ولكل ظروفه وحساباته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.