” طاحونة الذهب ” .. قصة قصيرة للإعلامي محمود عبد السلام 

الإعلامي محمود عبد السلام

دارت رأسه مع لفات المروحة السقفية ، التى بدت كطائر خرافى له ثلاث اجنحه ، يتربص به ، يدير دماغه حتى اذا ما أخذته غفوة الدوار ، أنقض عليه ليمزقه ،

أستدعى فى ذاكرته قراءته لدون كيشوت ، ورسم فى خياله صورة لطاحونة الهواء ، فدادين ممتدة خضراء مفروشة على ارض طينية بنية غارقة فى ماء النهر الذى فاض منذ ايام ، وعلى البعد جبل من الصخر القاسى ، رابض فى صمت مريب ، يحضن عمال المنجم الباحثون عن معدن الذهب المختلط بالرمال والصخر والدماء ،

فى ممر نفقي يوجد شريط سكة حديد تسكن فوقه مجموعة من العربات الحديدية فاغرة الفاه فى اندهاش ، تستقبل المعدن النفيس وسط أكوام الصخر ، وعيون تتعجل انتهاء الوقت تحت الشمس الحارقة ،

بين الجبل والطاحونة تمرّ اشباح لفتيات يحملن فوق رؤسهم جوالات القمح ، يدخلن من باب ويخرجن من الآخر ، الطقس هذا العام خادع ، والنهر اعطى ما يملك من ماء وخصب واسماك ويطلب العذراوات ،

فى الليل يغتسل الجميع على الشاطئ وتختلط النساء بالرجال ، يغوصون الى القاع ، تغادرهم الأحزان ..تطفو فوق السطح ثم تختفى مع اول خيوط النهار ،

تحط الطيور فوق الطاحونة تلتقط حبات القمح التى ضلت طريقها فوق السيور الجلدية السوداء ، والتى تهتز فى حركات عصبية ، تهاب العصافير الصغيرة المغامرة ، لا تقترب ، تترك للطيور الكبيرة الفضاء الواسع ، تراقب ما يسقط من المناقير الضخمة ، تلتقطه على عجل وتطير بعيد ، يكفيها حبه او أثنتان لتشبع ،

دارت المروحة ودار رأسه معها ، وهو مستلقى على أرض الحجرة الأسمنتي ، بجوار زملاءه من عمال منجم الذهب ، منتظرين شربة ماء من فيضان النهر قبل ان تدركهم غفوة الدوار .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.