الدكتور علاء رزق يكتب: الآفق الأوروبي ليس سوى البداية (٢)

تناولنا فى المقال السابق أن إحتضان مصر مؤتمر السلام بحضور زعماء العالم يمثل نقطة تحول عظيمة للإقتصاد المصري، وخاصة بعد رفع التصنيف الإئتماني من قبل وكالة “ستاندرد آند بورز” من B- إلى B كدليل على أن الإصلاحات الهيكلية المصرية تسير في الإتجاه الصحيح، وأن نقطة التحول الأكبر ستكون عبر إستضافة مصر الشهر القادم مؤتمر التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية ،والذى نتوقع معه أن يتضمن ثلاثة محاور رئيسية،تثبيت الإستقرار ،وتوفير الضمانات ،وجذب التمويل. وبالتالي فإن نجاح مصر بأن تكون قبلة العالم، قد جاء من خلال إستضافتها قمة السلام، والتى إنعكست بالإيجاب على مشاركة الرئيس السيسى للقمة الأولى بين مصر والإتحاد الأوروبي ،وتأكيده على رؤية مصر الواضحة تجاه بناء علاقات متوازنة مع شركائها،وتأكيده أيضاً على وجود رؤية متكاملة تعكس طموح الدولة المصرية في بناء تحالفات قائمة على المصالح المشتركة، وتجعل من مصر مركز ثقل سياسي وإقتصادى، وهو ما يؤكد أن إنعقاد القمة المصرية الأوروبية للمرة الأولى يعكس مدى إلتزام الطرفين بتعزيز العلاقات الإقتصادية والإستثمارية،وهو ما تجلى بتأكيد الإتحاد الأوروبى، التزامه بدعم جهود مصر لتحقيق الإستقرار الاقتصادي من خلال حزمة تمويلية قدرها 7.4 مليار يورو حتى عام 2027. والتزامه بالتحول الأخضر, وتعزيز الإقتصاد الدائري.مع التعاون في مجالات الذكاء الإصطناعي والأمن السيبراني. والأهم هو الموافقة على إنضمام مصر إلى برنامج أفق أوروبا،مما يتيح للباحثين المصريين المشاركة الكاملة في مشروعات البحث والإبتكار الأوروبية.ودعم إصلاح التعليم الفني والمهني (TVET).ونظراً لأن البرنامج الأوروبي “أفق أوروبا” هو أكثر برامج البحث والإبتكار طموحا في العالم فإنه من المتوقع أن يحفز القدرة التنافسية للإقتصاد المصري، نظراً لأن من بين أهدافه تعزيز الأسس العلمية والتكنولوجية للاتحاد الأوروبي. كذلك تحفيز القدرات التنافسية. والمساعدة في الاستجابة للقضايا العالمية، بما في ذلك أهداف التنمية المستدامة.
لذلك فإننا نرى أن هذا الإتفاق يمثل ولادة فصل جديد فى علاقة مصر بالعلم والتكنولوجيا والإبتكار، والأهم هو تحول وضع الدولة المصرية فى منظومة البحث العلمى من متلق للمعرفة إلى مشاركٍ فى صناعتها وبقواعد متساوية. وبالتالي فإننا نرى أن إتفاق الأفق الأوروبي يعد تحولاً نوعياً فى قدرات مصر التنافسية، إذ إنه يفتح نافذة تمويليةتقدر بنحو 100 مليار يورو حتى نهاية البرنامج، مما يسمح للجامعات والشركات المصرية،بما فى ذلك الناشئة منها، بالتقدم لتمويل مباشر دون وسيط، وبالمعايير نفسها المطبقة على دول الاتحاد الأوروبى، كما أن هذا الإرتباط يمنح مصر بوابة وصول كاملة إلى الركائز الثلاث التى بنى عليها البرنامج، بدءاً من برامج بناء القدرات العلمية والبعثات والتدريب والدكتوراة الصناعية، مروراً بمنصة مواجهة التحديات الصناعية والتكنولوجية، وصولاً إلى منظومة الإبتكار التى توفر دعماً للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة.وعلى الجانب الآخر فإن الإنخراط فى برامج الاتحاد الأوروبى يتطلب مستوى رفيعاً من إعداد المقترحات،والإلتزام بمعايير للمنهجية البحثية، لذا فإن المخاطر تكمن فى أن بعض المشاريع قد تنجرف لخدمة أجندات أوروبية بعيدة عن أولويات التنمية المصرية، فضلاً عن صعوبة التعامل مع الإجراءات الإدارية والمالية المعقدة التى يشتهر بها الإتحاد الأوروبي، وهو ما يستوجب تحديثا فى قدرات الجامعات والمراكز البحثية المصرية كى تتحرك بكفاءة دون عراقيل بيروقراطية.والأخطر هو زيادة إحتمال هجرة العقول، فالتعرض للشبكات الأوروبية قد يجعل عروض الخارج أكثر إغراء للباحثين الشباب.وهو ما حدث في إسرائيل فخلال العام الماضي تمكن 82 ألف إسرائيلي من مغادرة البلاد، مع توقعات ببلوغ أرقام مماثلة خلال العام الجاري.وهذا الرقم هو الأعلى منذ عام 2010، في مؤشر يعكس ازدياد القلق تجاه الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي داخل إسرائيل. مع التأثير المباشر على الابتكار والنمو الاقتصادي، إذ يغادر الشباب المتعلمون الذين يشكلون ركيزة الاقتصاد الإسرائيلي المعتمد على التكنولوجيا.
وهو ما يجعلنا قانعين بأن التوقيع على الآفق الأوروبي ليس سوى البداية، فنجاح التجربة لن يقاس إلا بقدرة المؤسسات العلمية المصرية على التأقلم سريعاً مع معايير تنافسية عالمية، وإستثمار الفرصة لا كمصدر تمويل فحسب، بل كمدخل لتغيير ثقافة إدارة البحث العلمى نفسه. وللحديث بقية إن شاء الله.
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجي للتنمية والسلام