الكاتب محمد نبيل محمد يكتب : الصورة الذهنية لانتصار أكتوبر وهزيمة كيبور (2)

نبدأ بالسؤال عن ماهية تحديات الصورة الذهنية لـ “نصر أكتوبر” و”هزيمة كيبور” وما هى تلك التحديات؟ فلم يزل وقع افتتاحية صحيفة “تايم أوف اسرائيل” يوم السادس من أكتوبر لعام 2025 وتساؤلاتها:”حول ما سبب احتفال المصريون بنصر أكتوبرعلى الرغم من أن غالبية الشعب المصرى لم يعاصر نصر أكتوبر” واستطردت الصحيفة: “أنه من المحتم أن ينسى المصريون هذا النصر، وإن ذكراه ـ حتماـ إلى زوال”…وشخصيا أرى أن العدو قد كشف عن نواياه العدائية تجاه الشخصية المصرية وثوابتها، وقد صرح مباشرة ـ دون تلميح ـ أن هدفه القادم هو العمل على محو “نصر أكتوبر” من الذاكرة الوطنية للمصريين، ويُعد فى الأعمال التكتيكية ذلك “هدف مباشر” وبالضرورة أن يكون تكتيكيا “الهدف التالى” هو:”هدم النموذج” أى فقدان القيمة الحقيقية لأبطال اكتوبر فى ادراك ووجدان الأجيال القادمة، ما يعنى تكذيب حقيقة “النصر” وتشوية التاريخ الوطنى للمصريين، حتى يقع القادم من الأجيال فريسة الشك والاضطراب بين ما هو حقيقى وقد بات فى طى النسيان، وبين ما هو كذب إذ أصبح يتردد فى الأنحاء، وكلا الأمرين تحت فعل ماكينات الإعلام العابرة للقارات والقادرة ـ بامكانيات متطورة ماديا وتقنيا ـ على تشويه الصورة الذهنية الحقيقية وإبدالها بأخرى كاذبة!.
ونعود للصورة الذهنية عن “نصر أكتوبر” و”هزيمة كيبور” التى من المحتم أنها تتعرض للتغيرـ الذى هو من طبائع الأشياء ـ فهى لا تتصف بالثبات، كما إنها أيضا عابرة للأزمنة والأمكنة، فضلا عن أن تعاطى المتلقى ـ جمهور الأجيال القادمة ـ لها يختلف طبقا لاختلاف الظرف التاريخى وما يتأثر به من نتاج ثورة المعلومات ليس التى تحدث عنها “ألفين توفلر”عالم المستقبليات وصاحب كتاب “صدمة المستقبل” الأكثر مبيعا فى العالم فى سينيات القرن السابق، والذى كان مفتونا بالأثر الفاعل للموجة الخامسة من ثورة المعلومات والمتمثلة فى استخدامات “الحاسب الآلى” فى مجالات الحياة، وصولا لتفاعلات “الشبكة العنكبوتية”، بل تلك التى نعاصر موجاتها السادسة من الهواتف الذكية والشبكات الاجتماعية فى الواقع الافتراضى، إلى الموجة السابعة والمتمثلة فى قدرات وامكانات “الذكاء الاصطناعى” والتى من نتائجها “الذكاء الاصطناعى” الذى كاد أن يعصف بكل الثوابت، ليست الفكرية والمنطقية وفقط وإنما أيضا القيمية والأخلاقية، من خلال تطبيقات رقمية تسمح بحرفية مطلقة بتغير حقيقة الصور والأصوات وبالتالى الأحداث، ومن ثم “التاريخ” و “الحاضر” فما يمنع أن يخرج علينا العدو بهجمة “رقمية” تطيح بثوابت الذاكرة الوطنية، ومنها “نصر أكتوبر” ألم يحدث من قريب ـ خلال السنوات القليلة السابقة ـ أن هاجمت منصات الإعلام الرقمى والتقليدى المشروعات الوطنية العملاقة للتنمية المستدامة، وأحدثت نوعا من السفسطة الجوفاء، والهرطقة الخرقاء فى مدركات ووجدان عدد لا يستهان به من الشباب وفئات أقل حظا من الإهتمام الثقافى بها(!) حتى أن عمت التساؤلات “الساذجة” عن مبرر حفر قناة السويس الجديدة، وعن سبب تسليح الجيش بحاملات المروحيات من فرنسا، وقطع اللانشات والفرقاطات والمدمرات من اسبانيا وروسيا والمانيا، والمقاتلات من فرنسا والصين، والمدفعية من كوريا، فضلا عن تعاون بين دول متقدمة فى نقل خبرات تصنيع الأسلحة إلى مصر، كما تساءلت مواقع التكذيب والضلال عن مبررات تجديد وانشاء شبكات الطرق والمحاور الرئيسية، وعن أسباب إنشاء العاصمة الجديدة، وإحياء العاصمة التراثية، وكذلك اتساع الخريطة الزراعية بدلتا ثانية فى الصحراء الغربية تستهدف مليون ونصف المليون فدان، وثالثة بسيناء تستهدف ما يزيد عن النصف مليون فدان، بالإضافة للموانىء البرية والبحرية، والمطارات التى طالت جغرافيا الوطن، ومثلها شبكات المواصلات المتنوعة من خط 22 جنوبا، مرورًا بالإتجاه الشرقى على البحر الأحمر، وصولًا لأقصى الشمال الغربى، وإقامة المدن الذكية من الجيلين الثالث والرابع بالمحافظات والتى تعتمد ليس فقط على التوسع العمرانى مكما فى الجيلين الاول والثانى، بل وأيضا تعتمد على تطويع التكنولوجيا والمفاهيم المستدامة لخلق بيئات عمرانية أكثر رفاهية واستقرار، وغيرها من المشروعات الصناعية، والاستكشافية للطاقة، والسياحية والإيمان ـ العملى ـ بإتساع مظلة التأمين الصحى، وتطوير منظومة التعليم، وما يسمى بالعدالة التنموية لجغرافية الوطن، وكل تلك المشروعات واجهت تحديات من جانب الأذرع الإعلامية الرقمية والتقليدية، ومن عملاء العدو “ابناء أبى رغال” فى تكذيب حقيقة هذه المنجزات الوطنية، وبث اشاعات بعدم الجدوى منها، حتى عانى الوعى الجمعى من هجمات عدائية متتالية ومتنوعة تستهدف تهميش المنجز الوطنى، فما المانع من الهجوم على الذاكرة الوطنية لتشوية التاريخ وحلحلة الثوابت وبث الأكاذيب لابدالها محل الحقائق ـ وطبقا لصحيفة تايم أوف اسرائيل ـ فإن مقتضى الحال يستوجب منا نحن ـ جيل الوسط ـ أن نغير آليات الحفاظ على الصورة الذهنية “لنصر أكتوبر” و”هزيمة كيبور” فى عقل ووجدان وبالتالى سلوكيات الشباب والأجيال القادمة، وبما يحقق أمرين، الأول: هو صيانة الذاكرة الوطنية بما يتناسب مع آليات تعاطى النشء لوسائل الإعلام الرقمى فى الواقع الافتراضى،والكلاسيكى فى الحاضر المُعاش، وثانيا: من خلال التصدى للهجمات المعادية من العدو الصهيونى والذى بدت نواياه العدائية تجاه الذاكرة الوطنية، بهدف محو ذكرى النصر أولا، وابدالها بالهزيمة ثانيا.
وفى القادم إن شاء الله استعراض لآليات بناء الفكر وتحصين الوعى حفاظا على الصورة الذهنية لـ “نصر أكتوبر” و”هزيمة كيبور” لدى الرأى العام الوطنى والعالمى.