الكاتب الصحفي عبدالرازق توفيق يكتب : الدواء المر .. طريق التعافى

يظل المريض يعانى ويكابد ويقاوم الألم وقسوته.. حتى يبدأ اليأس فى التسلل إليه لكن يأتى الأمل والفرح.. لما أعتقد أنه مرض عُضال لا علاج له.. وفجأة يجد الطبيب الذى يكتب الله على يده الشفاء والتعافى يقول الطبيب للمريض هذا هو الدوا ء لمرضك.. لكنه شديد المرارة والقسوة ولا دواء غيره.. يتلقف المريض الأمل ويتمسك بأهداب الشفاء ويقبل أن يتجرع مرارة الدواء ويمضى الوقت.. يشعر المريض بتحسن وتبدو عليه أعراض الشفاء ومظاهر التعافي.. يواصل العلاج وتناول الدواء المر وهو يلمس أنه يشتد عوده ويستعيد نشاطه.. حتى وصل إلى الشفاء والقدرة.. هذا هو حال الإصلاح الاقتصادى فى مصر شديد المرارة.. تداعياته قاسية.. لكنه السبيل الوحيد للشفاء والتعافى وبلوغ أغلى درجات القوة والقدرة ومع انطلاقه فى عام 2015 تجنى مصر ثماراً كثيرة وقدرة وتحسن يلمسه الجميع فى قوة الدولة واقتصادها ودورها ومكانتها وثقلها الإقليمى والدولى ومستقبل واعد تتشكل ملامحه وفرص غزيرة وثمينة تفتح الأبواب أمام استثمارات أجنبية ضخمة.. ومشاركة فاعلة للقطاع الخاص وتغيير ملموس فى العقيدة والثقافة الاقتصادية التى ستنقل مصر إلى آفاق جديدة كما فعلت دول كبرى ومتقدمة الآن تقود الاقتصاد العالمى وليس الصين عنا ببعيدة وغيرها من الدول مثل اليابان وأوروبا جميعهم تجرعوا قسوة وألم الإصلاح.. لكن سنوات الألم انتهت وأفضت التجربة إلى نتائج نراها الآن لا تخطئها العين.. فالصين واليابان وأوروبا فى مصاف الدول المتقدمة التى تعتلى سدة الاقتصاد العالمى الناتج المحلى فى أوروبا وصل إلى ما يقرب من 17 تريليون دولار والصين قوة اقتصادية كبرى فى العالم تزداد تقدماً نحو الصدارة وإذا فتشنا فى مسيرة هذه الدول نجد أن لديها سنوات قاسية ومؤلمة وشديدة المرارة ولم يكن لديها بديل سوى التحمل والعمل والإنتاج والفكر والتخطيط والإصلاح.. لكن فى النهاية شعوبها تعيش حالة من الاستقرار والرفاهية.
هذه الكلمات ليس دفاعاً عن الحكومة ولكنها قراءة فى عقود طويلة شهدتها مصر من المسكنات والتحذير رغم خطورة هذه السياسات التى أدت إلى استقرار هش وتراجع كبير لدور مصر.. والخدمات المتقدمة للمواطن وأزمات مزمنة ومشاكل متراكمة أفضت فى النهاية إلى نتائج كارثية وتجاهل ونسيان لعشرات الملايين من المواطنين فى الصعيد وسيناء والريف المصرى والعشوائيات وأمراض وفيروسات وقوائم انتظار لم تجد طريقها للشفاء والحل.. ووسائل نقل ومواصلات متهالكة أصبحت نعوشاً تسير على الطريق أو القضبان وطرق اشتهرت بأنها طرق الموت وتراجع كبير فى الرقعة الزراعية بسبب آفة التعديات وفساد وتعانق بين المال والسلطة.. لذلك كان لابد من مواجهة صريحة مع النفس ووقفة حازمة وإصلاح حقيقى بدلاً من الموت البطئ وضياع هذا الوطن.
الحقيقة أن نتائج الدواء المر أقصد الإصلاح بين أيدينا نلمسها وندركها جيداً.. مصر تتقدم إلى الأمان قوية قادرة على مواجهة تداعيات خطيرة للأزمات الدولية وما كان لمصر أن تستطيع أن تتحمل العزلة الدولية التى فرضتها جائحة كورونا واضطرابات سلاسل الامداد والتوريد التى ازدادت مع نشوب الحرب الروسية- الأوكرانية ثم المتغيرات الجيوسياسية فى الشرق الأوسط واحتدام الصراعات من كل اتجاه والعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة ورغم ذلك بفضل الإصلاح نجحت مصر فى تجاوز وعبور هذه التحديات ولم يشعر المواطن بأى نقص فى السلع والاحتياجات الأساسية.. بل هناك مخزون إستراتيجي.
نتائج الإصلاح الاقتصادى أو الإصلاح الشامل تجلت ثمارها حتى على الصعيد السياسى والإستراتيجى وتعظيم قوة وقدرة مصر وحماية مواقفها وخطوطها الحمراء وما كانت لتحصل على احترام وتقدير العالم ومشاهد الفخر فى شرم الشيخ وبروكسل لولا قوة هذا الشعب العظيم الذى تحمل تداعيات الإصلاح ومازال.. ثم تجلت نتائجه الاقتصادية فى ازدهار فرص الاستثمار الأجنبى وما لدى مصر من فرص وقدرات فى الكثير من القطاعات وما تم الاستثمار فى موقعها الإستراتيجى لتمتلك منظومة عصرية من الموانئ وشبكات الطرق وبفضل الإصلاح الاقتصادى والمالى والمصرفى وصلت تحويلات المصريين فى الخارج إلى أكثر من 26 مليار دولار فى 8 أشهر والعام الماضى بلغت أكثر من 36 ملياراً وارتفعت توقعات المؤسسات والمنظمات الدولية لمعدلات النمو فى مصر إلى 4.5 ٪ وبلغت حصيلة الاستثمارات الأجنبية فى مصر العام الماضى أكثر من 46 مليار دولار كما ارتفعت الصادرات المصرية إلى أرقام غير مسبوقة وارتفع الناتج المحلى وما انخفض معدل العجز فى الموازنة العامة وانخفض الدولار كذلك أمام الجنيه حتى ولو بالتدريج لكنه يخسر.. كما نجحت مصر فى توفير احتياجات المصريين.. لذلك علينا كمواطنين أن نتحمل مرارة الدواء.. لكنه الشفاء والعلاج ولكن الحكومة أيضاً مطالبة بأمور أراها مهمة وأنا أكثر من يدافع عنها عن حق.. لكن منظومة وانفلات الأسعار يحتاج وقفة حاسمة حتى تخفف عن المواطن ولابد من تدخل حازم لمكافحة الجشع والمغالاة والضرب بيد من حديد على التلاعب بالأسعار لأنها قضية مهمة تتعلق بالمواطن الذى هو ركيزة الأمن القومى وسبب النجاح.. لذلك فإن دور الحكومة هنا هو التخفيف من معاناة المواطنين بإجراءات واضحة وحاسمة وأن توجد البدائل وردع الجشعين بتفعيل منافذها الثابتة والمتنقلة وبأسعار أقل بنسبة كبيرة.. كما أن الحكومة يجب ان تنتبه للآثار الناتجة عن ارتفاع الأسعار حيث تؤدى إلى انخفاض القدرة الشرائية فى ظل اقتصار المواطن على الحصول على الأولويات والأساسيات وهو ما يؤثر بطبيعة الحال على حجم الشراء والإنتاج والاستثمار والعمالة بسبب ما يشبه حالة الركود بالإضافة إلى أهمية تعامل الحكومة مع الأعراض الصعبة لقرارات الإصلاح ربما تنظر الحكومة فى إصلاح الأجور بشكل أكبر بما هو مستطاع لإحداث توازن بين الدخل والقدرة الشرائية ولابد أن تلتفت الحكومة إلى أهمية استقرار الطبقة المتوسطة لأنها عصب المجتمع.. ولابد أيضاً من تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطن.
الحقيقة أن الدواء المر أثبت فعاليته وحقق نتائج مهمة على طريق الشفاء والتعافى والاستغناء.. لكن لابد من تخفيف أعراضه وآثاره وفق رؤية وأبرز ذلك أن تخرج الحكومة بتحديد وقت أو زمن أو أمد لتناول الدواء المر والشافى ومتى يبدأ التحسن الملحوظ الذى يعنى المواطن وهو ما أشار إليه الدكتور محمد معيط وزير المالية السابق المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى بقوله ان التحسن سيبدأ مع بداية العام القادم والجديد ولذلك لابد من فتح أبواب الأمل والتفاؤل فى ظل المؤشرات والنجاحات الاقتصادية العظيمة.
تحيا مصر