الكاتب الصحفي عصام عمران يكتب: مائة ألف حكاية وحكاية !!

ساعات قليلة تفصلنا عن موعد افتتاح المتحف المصري الكبير، حيث تتأهب مصر لإطلاق حدث عالمي طال انتظاره، يمثل تتويجًا لسنوات من العمل المتواصل ونقلة نوعية في عرض وتوثيق الحضارة المصرية القديمة، إذ يعد المتحف أحد أبرز المنارات الحضارية في العالم، والتي تجسد رؤية الدولة في صون تراثها وتقديمه للعالم في مزيج فريد يجمع بين عراقة التاريخ وروعة التصميم، وتجربة عرض متكاملة تستخدم أحدث التقنيات التفاعلية في تقديم الآثار، بما يعكس مكانة مصر الريادية على خريطة السياحة العالمية.
المتحف يمثل بقعة ضوء جديدة ينتظرها العالم لتضيء سماء الدنيا من نفس المكان الذي طالما بسط ضوءه على الانسانية على أرض «منف» عاصمة مصر الأولى قبل خمسة آلاف عام ، أمام هرم «الملك خوفو» العجيبة الوحيدة المتبقية من عجائب الدنيا القديمة يحفر أحفاد الفراعنة تاريخا جديدا لحضارتهم تسابق السواعد المصرية الزمن لتبنى أعظم صرح ثقافى حضارى فى القرن الحادي والعشرين، وأكبر متحف فى تاريخ البشرية يحتضن تراث وكنوز الأجداد لتظل رحلة المجد والخلود والأبدية تروى ، وتؤكد للدنيا أن مصر ليست مجرد دولة تاريخية، وإنما مصر جاءت ثم جاء التاريخ.
المتحف المصرى الكبير حلم تشكلت ملامحه بين حنايا وجدان فنان متجدد الإبداع والعطاء، ووزير مسكون بعشق الوطن، وأصبح صرحا عظيما يناطح التاريخ بإرادة أب و رئيس مقاتل عنيد رُسم فوق جبينه وطن شامخ، وفكر معمارى جسور من حراس الوطن الأوفياء الذين خاضوا معركة البناء والتطوير، واصلوا الليل بالنهار وتحدوا كل الصعاب لإنجاز هذا المشروع الضخم ، وتحويل تلك البقعة الفريدة إلى «مثلث ذهبي» ليس له مثيل فى العالم أجمع، ليصبح المتحف المصرى الكبير وهضبة الأهرامات أكبر متحف فى تاريخ البشرية، وهدية ام الدنيا لكل الدنيا وكذلك هدية الشعب المصرى للتاريخ .
يضم المتحف الذى يقع على مساحة ١١٧ فدانا حوالى ١٠٠ ألف قطعة أثرية تحكي تاريخ الحضارة الفرعونية ، ويمكن القول أن كل قطعة منها تروى حكاية خاصة لملوك وملكات وفراعنة مصر عبر خمسة آلاف عام وتبرز إبداعات الفنان المصري القديم ولعل في مقدمتها مجموعة كنوز الملك والفرعون الذهبى توت عنخ آمون التى تتكون من ٥٥٠٠ قطعة تعرض كاملة لأول مرة ، علاوة على التمثال الضخم للملك المصري الأشهر والاعظم رمسيس الثاني والذي يتوسط البهو الرئيسى للمتحف ليكون في استقبال ملايين الزائرين من المصريين والأجانب سنويا .
ومن المفاجآت التى ستهز مشاعر زوار المتحف وتمثل واحدة من أكتر القصص الإنسانية التي خرجت من جوف التاريخ ما يعرف بأجنة الفرعون الشاب توت عنخ آمون، التى وُجدت داخل مقبرته في وادي الملوك غرب الأقصر ، ولأول مرة، تكون جزءا من العرض الضخم لمقتنيات الفرعون الذهبي في المتحف المصري الكبير وسط أكتر من ٥٥٠٠ قطعة أثرية تكشف أسرار حياة الملك الصغير الذى أدهش العالم.
ورغم أن هذه المعروضات ستجعل الزوار يعيشون لحظة اكتشاف المقبرة من جديد ، إلا أن هناك مشهدا مؤثرا يكمل القصة — لأن الأب لن يشاهد أبناءه أبدًا، حيث ستبقى مومياء توت عنخ آمون نفسه في مقبرته الأصلية في وادي الملوك، هناك غرب الأقصر، حيث اكتُشف لأول مرة عام 1922 .
وحسنا فعل محافظ الجيزة، عادل النجار ، بتخصيص شاشات عرض عملاقة في ميادين وشوارع رئيسية وحيوية بمختلف أنحاء المحافظة، لإتاحة الفرصة أمام المواطنين لمتابعة فعاليات الافتتاح مباشرة ، متضمنة الإفتتاح الرسمى إلى جانب مواد ترويجية ووثائقية تعرّف المواطنين بعظمة المتحف المصري الكبير وأهميته الأثرية والسياحية ، و كنت اتمنى ان تتم تعميم تجربة البث المباشر لهذا الحدث الثقافى والاثرى العام عبر شاشات عملاقة فى شتى ربوع محافظات الجمهورية وليست فى الجيزة فقط حتى يتمكن جميع أبناء الشعب المصري من مشاهدته ويعيشون لحظات الفخر والسعادة بوطنهم الذى كان ولايزال وسيظل يبهر العالم من جديد .
وكنت أتمنى أيضا ، بل أنا على يقين أنه سيتم خلال فعاليات افتتاح المتحف التى ستنطلق مساء الأول من نوفمبر القادم وتستمر ثلاثة أيام تكريم كل من اسهم فى بناء وتشييد هذا الصرح الثقافي والحضاري الفريد وفي القلب منهم الفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق صاحب فكرة المشروع العملاق .